هل الرسول محمد عليه السلام اسرى بجسده وروحه ام بروحه فقط . ومن هذه التساؤلات الكثيرة نجد الاجابة الشافية عنها في هذا الموضوع ان شاء الله تعالى
من كتاب الأنسان بعد الموت لمفسر القرآن المرحوم محمد علي حسن الحلي
[الإسراء والمعراج]سؤال 24: إذا كانت السماوات أثيرية ، إذاً كيف صعد النبيّ إلى السماء ليلة المعراج ؟جواب : إن نفسه الأثيرية صعدت إلى السماء ، وأمّا جسمه فكان نائماً على فراشه ، فقد جاء في كتاب (المعراج) بأنّ النبيّ ذهب مع جبريل إلى بيت المقدس فوجد الأنبياء هناك فسلّم عليهم وصلّى بِهم في بيت المقدس ، ثمّ عرج إلى السماوات مع جبريل وصلّى بالملائكة في كلّ سماء حتّى صعد إلى السماء السابعة . أقول إنّ الأنبياء انتقلوا بِموتهم من العالم المادّي إلى العالم الأثيري وأصبحوا نفوساً أثيرية ، والنفوس لا تراها الأحياء ، ثمّ إنّ الملائكة هم مخلوقات أثيرية أيضاً ولا تراهم الناس إلاّ بشروط ، ثالثاً إنّ الإنسان لا يمكنه أن يصعد إلى السماء بِجسمه المادّي ويلتقي بِالملائكة ، إذاً المعراج كان بالنفس الأثيرية لا بالجسم المادّي ولذلك كان الوقت ليلاً . قال الله تعالى في سورة الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} . فالمسجد الحرام يريد به مكة ، والمسجد الأقصى هو بيت المقدس ، فإنّ النبيّ أسري به ليلاً من مكة إلى بيت المقدس ، وإنّما أسري به ليلاً لأنّ الأرواح تضجر من الضوضاء وتنفر من الضياء وخاصةً ضياء الشمس ، فلذلك أسري به ليلاً لأنّ الناس نائمون والأصوات خامدة والحركات هادئة والشمس غائبة ، فكان الوقت ملائماً لسيره إلى بيت المقدس ثمّ عروجه إلى السماء بصحبة جبرائيل لأنه أصبح مخلوقاً أثيرياً مثل صاحبه . ولَمّا كان المعراج بالنفس الأثيرية أمكنه أن يرى أرواح الأنبياء ويصلّي بهم ، وأمكنه رؤية جبرائيل وأمكنه الصعود معه إلى السماوات الأثيرية ، وأمكنه رؤية الملائكة والتكلّم معهم إلى غير ذلك مِمّا ذُكِر عنه عليه السلام . قال تعالى في سورة النجم {وَالنَّجْمِإِذَاهَوَى . مَاضَلَّصَاحِبُكُمْوَمَاغَوَى . وَمَايَنطِقُعَنِالْهَوَى .إِنْهُوَإِلَّاوَحْيٌيُوحَى . عَلَّمَهُشَدِيدُالْقُوَى . ذُومِرَّةٍفَاسْتَوَى .وَهُوَبِالْأُفُقِالْأَعْلَى . ثُمَّدَنَافَتَدَلَّى .فَكَانَقَابَقَوْسَيْنِأَوْأَدْنَى . فَأَوْحَىإِلَىعَبْدِهِمَاأَوْحَى .مَاكَذَبَالْفُؤَادُمَارَأَى .أَفَتُمَارُونَهُعَلَىمَايَرَى .وَلَقَدْرَآهُنَزْلَةًأُخْرَى .عِندَسِدْرَةِالْمُنْتَهَى .عِندَهَاجَنَّةُالْمَأْوَى . إِذْيَغْشَىالسِّدْرَةَمَايَغْشَى . مَازَاغَالْبَصَرُوَمَاطَغَى . لَقَدْرَأَىمِنْآيَاتِرَبِّهِالْكُبْرَى}المعنى :{وَالنَّجْمِإِذَاهَوَى} أي قسماً بِذوات الذَنَب إذا سقطت على الأرض ، وهذا قسم تهديد ووعيد ، وقد سبق تفسير هذه الآية في كتابنا (الكون والقرآن) ، ثمّ قال تعالى :{مَاضَلَّصَاحِبُكُمْوَمَاغَوَى} أي ما ضلّ محمّد عن طريق الحقّ وما أضلّ أحداً بِدعوته ومنهجه ، وذلك لأنّ المشركين قالوا [كما في سورة الفرقان] {إِنكَادَلَيُضِلُّنَاعَنْآلِهَتِنَالَوْلَاأَنصَبَرْنَاعَلَيْهَا} ،{وَمَايَنطِقُعَنِالْهَوَى} أي ليس ما نطق به محمّد من القرآن والشريعة صادر من الناس ، وذلك لأنّ المشركين قالوا [كما في سورة النحل] {إِنَّمَايُعَلِّمُهُبَشَرٌ} ،{إِنْهُوَإِلَّاوَحْيٌ} من الله {يُوحَى} إليه ،{عَلَّمَهُ} القرآن والشريعة جبريل الذي هو {شَدِيدُالْقُوَى} وهذه صفة لجبرائيل بأنّه شديد القوى ، كما وصفه أيضاً في سورة التكوير بقوله تعالى {إِنَّهُلَقَوْلُرَسُولٍكَرِيمٍ .ذِيقُوَّةٍعِندَذِيالْعَرْشِمَكِينٍ . مُطَاعٍثَمَّأَمِينٍ} ،{ذُو مِرَّةٍ} أي ذو مشورةٍ تستشيره الملائكة في شؤونِها والأنبياء في دعوتِها ، وذلك لذكائه ورجاحة عقله وعلوّ منزلته ، {فَاسْتَوَى} محمّد ، أي صار محمّد مساوياُ لجبريل في النوع وفي صعودهما إلى السماء في ليلة المعراج ، وذلك لأنّ محمّداً صعد بنفسه الأثيرية وكذلك جبريل مخلوق أثيري وأنهما صعدا سويةً إلى السماء ،{وَهُوَبِالْأُفُقِالْأَعْلَى} أي أنّ جبرائيل كان على ارتفاع من جوّ الأرض وكان يعلّم محمّداً بعض المعلومات الدينية{ثُمَّدَنَا} محمّد من العرش {فَتَدَلَّى} أي دلّه جبرائيل إليه ،{فَكَانَقَابَقَوْسَيْنِ} من العرش في المسافة {أَوْأَدْنَى} من تلك المسافة ،{فَأَوْحَى}الله تعالى {إِلَىعَبْدِهِ} محمّد {مَاأَوْحَى} إلى الأنبياء من قبله من التوحيد والأحكام ، فإنّ الله تعالى أوحى إلى محمّد وهو في السماء وجبرائيل علّمه أشياء ،{مَاكَذَبَالْفُؤَادُمَارَأَى} أي ما كذّب فؤاد محمّد ما رآه من الآيات والعجائب في السماوات في ليلة عروجه ولم يشكّ فيما رآه لأنّها انطبعت في ذاكرته ، وقوله تعالى {مَاكَذَبَالْفُؤَادُ} دليل على أن المعراج كان بالنفس الأثيرية لا بالجسم المادّي ، لأنّ الفؤاد من أعضاء النفس ، فلو كان المعراج بِجسمه لقال تعالى : ما كذب القلب ما رأى ،{أَفَتُمَارُونَهُ} يعني أفتجادلونه {عَلَىمَايَرَى} من الآيات ، وذلك لأنّ قريشاً أخذوا يجادلونه على ذلك ،{وَلَقَدْرَآهُنَزْلَةًأُخْرَى} أي ولقد أراه وبيّن له أشياء أخرى ، والمعنى أنّ جبرائيل بيّن لِمحمّد وعلّمه أشياء أخرى فإنّ كلمة "رأى" مأخوذة من الرأي وهو العلم ، وذلك كقوله تعالى فيسورة الفيل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فإنّ أصحاب الفيل لم يرهم محمّد بل أخبروه بقصتّهم ،{عِندَسِدْرَةِالْمُنْتَهَى} أي عند انتهاء جولتهما وهي شجرة أثيرية ثمرها النبق ،{عِندَهَاجَنَّةُالْمَأْوَى} أي قرب تلك السدرة جنة المأوى التي تأوي إليها نفوس النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين في عالم البرزخ ، وهي الطبقة السفلى من السماوات السبع ، وهي غير جنة الخلد التي يدخلونها يوم القيامة ، ولذلك قال تعالى في سورة الرحمن {وَلِمَنْخَافَمَقَامَرَبِّهِجَنَّتَانِ} والمعنى يدخل الجنة الأولى في عالم البرزخ ويدخل الجنة الثانية يوم القيامة .{إِذْيَغْشَىالسِّدْرَةَ} من الأنوار {مَايَغْشَى}البصر في ذلك الوقت الذي شاهدها محمّد ،{مَازَاغَالْبَصَرُوَمَاطَغَى} أي ما مال بصره عن مرئيّه المقصود له ولا جاوزه ، والمعنى كان محمّد ينظر أمامه فقط ولا يلتفت يميناً وشمالاً ، وكان ذلك تأدباً منه وتعظيماً لربّه ، فقوله تعالى {مَازَاغَالْبَصَرُ} دليل أيضاً على أنّ المعراج كان روحانياً لا جسمانياً لأنّ البصر من حواسّ النفس والعين من حواسّ الجسم .{لَقَدْرَأَىمِنْآيَاتِرَبِّهِالْكُبْرَى} أي كبرى هذه الآيات وهو العرش الذي هو أكبر آية في السماوات .