بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الموضوع عبارة عن اقتباسات بتصرف من كتاب: زيارة المزارات وأدعية الزيارات _المؤلف: حيدر علي قلمداران القمي
نذكر في هذا الموضوع الأحاديث المرويَّة عن النبيّ والأئمّة - عليهم السلام - في النهي عن تعمير القبور وتشييدها والبناء عليها، والتي تتفق في مضمونها مع كتاب الله وسنّة نبيّه ونقارنها بالأحاديث المزورة والملفقة التي مرت:
1 - في الكتاب الشريف الموسوم بـ«المحاسن» تأليف البرقيّ، وفي كتاب «وسائل الشيعة»/باب 43 من أبواب دفن الموتى عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «مَنْ جَدَّدَ قبراً أو مَثَّلَ مثالاً، فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الإسْلامِ».
2 - وفي كتاب «الكافي» للكُلَيْنِيّ (ج6/ص528) عن أبي القدّاح يروي عن حضرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: «بعثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - إلى المدينة في هَدْمِ القبور وَكَسْرِ الصُّوَر فقال: لا تَدَعْ صُوْرَةً إلّا مَحَوْتَهَا ولا قَبْرَاً إلا سَوَّيْتَه».
3 - وأورد الشهيد الأول في كتابه الفقهيّ «الذكرى» روايةً عن أبي الهياج الأسديّ أن أمير المؤمنين عليه السلام قال له: «أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ»
4 - وجاء في كتاب «تهذيب الأحكام» للشيخ الطوسي (ج1/ص461، ح 148) وذكره الحر العاملي في «وسائل الشيعة»/باب 44 من أبواب الدفن:
«عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام عَنِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ وَالجُلُوسِ عَلَيْهِ هَلْ يَصْلُحُ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَلَا الْجُلُوسُ وَلَا تَجْصِيصُهُ وَلَا تَطْيِينُهُ.».
5 - وروى الشيخ الصدوق في مجالسه بسنده عن حضرة الصادق عليه السلام عن آبائه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ نهى عن تجصيص القبور والصلاة فيها.
6 - وروى البرقيّ في «المحاسن» والشيخ الطوسي في «تهذيب الأحكام» (ج1/ص462، ح 150): «عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ جَرَّاحٍ الْمدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (الإمام الصادق) عليه السلام قَالَ: لَا تَبْنُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَوِّرُوا سُقُوفَ الْبُيُوتِ فَإِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ كَرِهَ ذَلِكَ».
7 - وأورد الحرّ العامليّ في «وسائل الشيعة»/الباب 44 من أبواب الدفن عن حضرة الصادق عليه السلام أنه قال: «نَهَى رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ - أَنْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ».
8 - وروى الشيخ الصدوق في كتابه «معاني الأخبار»: «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الزَّنْجَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدٍ (رَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ قَالَ وهُوَ التَّجْصِيصُ».
9 - وروى الشيخ الصدوق في كتابه «فقه الرضا» (ص188 - 189) ضمن ذكره تجهيز جثمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «...فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفنوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بقيع المصلى وأن يؤمهم رجل منهم فخرج عليٌّ عليه السلام إلى الناس فقال: يا أيها الناس أ ما تعلمون أن رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) إمامنا حيا وميتا وهل تعلمون أنه (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ) لعن من جعل القبور مصلَّى ولعن من يجعل مع الله إلهاً؟!».
10 - وروى الشيخ الصدوق أيضاً في كتابه «من لا يحضره الفقيه» (ج1/ص180، ح 539) عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام أنه قال: «إِذَا دَخَلْتَ الْمَقَابِرَ فَطَأِ الْقُبُورَ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً اسْتَرْوَحَ إِلَى ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ مُنَافِقاً وَجَدَ أَلَمَهُ».
فهذه عشرة أحاديث شريفة نكتفي بذكرها طلباً للاختصار ولو أردنا أن نذكر كل الأحاديث في هذا الصدد لطال بنا الكلام!.
فإن قيل إن كل تلك الأحاديث المذكورة إنما هي في شأن قبور الناس العاديين، أما النبي والأئمة فوضعهم مختلف، قلنا: إليكم هذه الأحاديث التي تُثبت أنه لا فرق في هذا الحكم بين قبور النبي والأئمة - عليهم السلام - وقبور سائر الناس:
1 - روى الشيخ الصدوق في كتابه «علل الشرائع» (ج1/ص307/255 - باب العلة التي من أجلها يرش الماء على القبر) بسنده عن حضرة جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عليهما السلام أنه قال: «إن قبرَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ رُفع شبراً من الأرض، وإن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ أمر برشِّ القُبُور».
2 - روى الشيخ الصدوق في كتابه «من لا يحضره الفقيه» (ج1/ص178، ح 532) والحر العاملي في «وسائلالشيعة» (ج5/ص161، ح6222): «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه): لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي قِبْلَةً وَلَا مَسْجِداً فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لَعَنَ الْيَهُودَ حَيْثُ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».
إن جميع تلك الأحاديث التي مرت مدوَّنَةٌ مسطورةٌ في كتب حديث الشيعة الإمامية الموثَّقَة ولم نأتِ بها لا من كتاب ابن تيمية ولا من تأليفات محمد بن عبد الوهاب ولا حتى من كتب حديث أهل السنة حتى يُشْكِلَ بعضُ الناسِ عليها!
وبالطبع هناك في كتب العامة أحاديث كثيرة بذلك المضمون منها ما رُوي: «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ!»(97).
إن الدين في العرف والعقل والشرع عبارة عن أمر الله ونهيه والأحكام التي شرعها الله تعالى لخير الإنسان وسعادة العباد في الدارين، أما الدين في عرف الضّالين فعبارة عن تعظيم الأفراد وذكر الأشخاص والتضرع إليهم في قبورهم دون الالتفات إلى ما جاء عن النبي وما أراده الله من بعثة رسوله بل يقدمون الأعذار قدر استطاعتهم لتعطيل تلك الأحكام حتى أصبح دين الله الأبدي مهجوراً وتعاليمه منسوخةً غير مكترثين بهذا الوضع! فكل ما يهمهم هو تشييد القبور وإقامة المآتم وغير ذلك من الأمور في حين لا يُولون الأمور المهمة والأساسية في الدين إلا اهتماماً ضعيفاً.
، كما لا يمكن إنكار كون القبور المشيّدة ذات الأبنية العالية تذكرنا بالفراعنة والأكاسرة! ولا يمكن لأحد أن يزيل كل تلك الأحاديث المروية عن النبي والأئمة عليهم السلام في مذمة البناء على القبور وتحديثها وتجصيصها ورفعها من كتب الحديث، خاصة أن سيرة مسلمي الصدر الأول تبين بكل وضوح أن مثل تلك الأعمال لم تكن رائجة ولا كانت في نظرهم مشروعة.
فكل من يؤلف كتباً ويقول كلاماً في مواجهة كتاب الله وسنة رسوله وأحاديثه الشريفة الصحيحة فقد قال زُخْرُفاً من القول حتى لو كان لقبه آية الله وكان حجم عمامته بحجم قبة المسجد الأعظم! وحتى لو ادّعى الاتصال باللاهوت وكان ضليعاً بالفلسفة والتصوف وملأ كتابه بسباب مخالفيه وتنقيصهم!.
ومن المعلوم أن أساس الأديان الحقّة وبعثة الأنبياء الإلهيين هو اجتثاث جذور الشرك والوثنية واستبدالها بروح التوحيد، إلا أنه لما كان البشر قد عاشوا أزمنة مديدة في ظلمات الجهل والوثنية وعبادة الأرواح والأشخاص فإنهم لم يكونوا مستعدين كل الاستعداد لإدراك تعاليم الأنبياء وأخذ معارفهم الحقّة لذا نجد في كل دين وملة بقايا وآثار من العقائد الشركية القديمة! كما هو الحال في دين اليهود والنصارى الذي كان أساسه ديناً حقاً.
ودين الإسلام المقدّس المعروف بأنه دين التوحيد والوحدانية وكتابه السماوي حافظٌ لهذه العقيدة وملقِّنٌ لها وآياته الصريحة تمنع بشكل قاطع كل تذلل وخضوع وعبادة لغير الله وتأمر بتقديم الحمد والثناء للذات الأحديةوحدها كما يقول تعالى: ((وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا)) (الجن/18)، ولا تسمح بإعطاء أي صفات ربوبية لأيٍّ من مخلوقات الله أياً كانت ومهما كان مقامها أو تقديسها وتسبيحها من دون الله.
وكان أئمة دين الإسلام المبين بدءاً من النبيّ الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ والأئمّة الكرام - عليهم السلام - وصحابة رسول الله مراقبين دائماً ومنتبهين ألا تصدر عن المسلمين أي حركة منشؤها الغلو بحقهم إلى الحد الذي كان رسول الله يمنع الناس أن يقفوا لديه وهو جالس(99) وكان يركب الحمار والبغل تواضعاً وانكساراً لله وكان يحلب الشاة بيديه ويجمع الحطب في السفر بنفسه لطبخ الطعام ولم يكن يقبل من أي أحد أن يتملّقه بالمدائح والثناء المشوب بالمبالغات والغلو ولم يكن يسمح لأحد أن يخاطبه بالألقاب والعناوين التي تخصّ النبلاء والملوك المستكبرين ويمدحه بمثلها ويمتنع عن بيان كثيرٍ من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لكي لا يقع الجهلاء في الغلو به وينسبون إليه ما لا يجوز.
ورغم كل ذلك فإن الأشخاص الذين اعتادوا ردحاً طويلاً من الزمن على عبادة الأوثان والأصنام وتشبّعت روحهم بتعظيم الأشخاص وعبادة الأرواح والملائكة لم يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة تعاليم الإسلام التي تُؤكد أنه لا يوجد في عالم الوجود والغيب والشهادة معبودٌ سوى الله وحده ولا توجد قدرةٌ ولا قوةٌ ولا مشيئةٌ مؤثرةٌ في الخلق والكون سوى ذات الله واجب الوجود.
فيا حسرة على العباد الذين لا يمكنهم التخلي عن روح الوثنية وتعظيم الأشخاص والغلو فيهم، هذا رغم كل ذلك التواضع الذي كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ الذي كان يكرر: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ»(100)، ويقول لأصحابه «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»(101) وذلك عندما استشاروه في تأبير النخل فقال لهم لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا فَتَرَكُوهُ فَنَقَصَتْ فقال لهم مقولته تلك، وكذلك الأئمة - عليهم السلام - لم يدّعوا لأنفسهم مقاماً سوى بيان الحلال والحرام والرواية عن جدّهم حضرة خير الأنام.
روى محمد بن الحسن الصفّار في كتابه «بصائر الدرجات» عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال دخلت عليه (أي على الإمام جعفر الصدق عليه السلام) بعد ما قُتِلَ أبو الخطاب، قال فذكرتُ له ما كان يَرْوِي من أحاديثه تلك العظام قبل أن يُحْدِثَ ما أَحْدَثَ فقال (الصادق عليه السلام):
«بحسبك والله يا محمد أن تقول فينا: يعلمون الحلال والحرام وعلم القرآن وفصل ما بين الناس. فلما أردتُ أن أقومَ أخذ بثوبي فقال: يا محمد! وأي شيء الحلال والحرام في جنب العلم؟ إنما الحلال والحرام في شيء يسير من القرآن»(102).
وروى السيد «هاشم البحراني» في تفسيره «البرهان» عن أيوب بن الحرّ عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام أنه قال لمن سأله: الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال: «نعم! وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد»(103).
المصادر:
(97) الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحهما والنسائي وابن ماجه في سننهما، وانظره في التاج الجامع للأصول، ج1/ص243 - 244. (المترجم)
(99) يبدو أن المؤلف يشير إلى الحديث النبوي: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رواه الترمذي في سننه (باب الأدب عن رسول الله) وأبو داود في سننه، وأحمد في مسنده. (المترجم)
(100) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل/باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا. وصححه السيوطي والألباني. (المترجم)
(101) المصدر السابق، عن عائشة وعن أنس كلاهما عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (المترجم)
(102) بحار الأنوار للمجلسي: ج23/ص195 من الطبعة الجديدة.
(103) ورواه محمد بن الحسن الصفّار في كتابه «بصائر الدرجات» من عدة طرق، ص 479.