مريض في المستشفى
حدّثني عبد المجيد رشيد إمام وخطيب جامع عثمان أفندي الواقع قرب سوق السراي ببغداد ، قال : عدتُ مريضاً يوماً من الأيام في المستشفى الجمهوري ببغداد [بنيت بمكانه مستشفى مدينة الطب حالياً] ، وكان المريض قد دهسته سيارة فأصابت رأسه فانفطرت جمجمة رأسه ، فبقي نائماً في المستشفى أكثر من شهر : فكان يغمى عليه تارةً ويصحو تارةً أخرى ، وقد استيأس الأطباء من شفائه .
ولما جلست عنده كان مغمى عليه وكان أبوه جالساً عنده ، وعندما أفاق المريض من إغمائه سألته عن أحواله فأجابني ، وصدفةً دخل صالة المرضى بائع الصحف والمجلاّت فقال له أبوه : "هل أشتري لك مجلة تطالع فيها وتلهو عن المرض ؟" قال المريض : " لقد طالعت هذه المجلات كلّها قبل ثلاثة أيام أنا وفلان وفلان (وعدّد أسماء بعض أقاربه الأموات) وكنا نذهب كلّ يوم إلى بائعي الصحف ونطالع ما فيها من أخبار وحوادث ، وسأنبئك بما في هذه المجلاّت من حوادث وأخبار ، ففي هذه المجلة في الصحيفة الخامسة كذا وكذا من أخبار ، وفي الصحيفة السابعة القصّة الفلانية ، وفي الصحيفة التاسعة الحادثة كذا" .
وهكذا أخذ المريض يسرد علينا ما في تلك المجلاّت من حوادث وأخبار ، فاشترى أبوه إحدى تلك المجلاّت ليرى كلام ابنه المريض هل هو صحيح كما أخبر عنها أم هو مجرّد هذيان ولغو ، فلما فتح تلك الصفحات التي أنبأ عنها المريض فإذا هي كما أخبر عنها المريض ، فتعجّبنا من ذلك . وبعد أيام مات المريض وانتقل إلى عالم الأرواح ليلتقي بأهله وأقاربه كما التقى بهم من قبل .
وهذه القصة إن دلّت على شيء فإنّما تؤكّد أنّ الموت هو انتقال من دار إلى دار ، وأنّ الإنسان لا يعدم من الوجود بل هو حيّ إلى الأبد .
من كتاب ساعة قضيتها مع الارواح