لقد تبين لي وثبت عندي مما شاهدته بنفسي في عالم الأرواح ومما قرأته في الكتب السماوية في التوراة والزبور والإنجيل والقرآن بأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي فهي التي تُحاسَب وهي التي تُثاب وهي

التي تُعاقَب وهي التي تشعر بالآلام وتشعر بالنعيم وهي التي تدخل النار أو الجنة ، وما الجسم إلاّ قالب تكوّنت فيه النفس ولا حاجة فيه بعد الموت ولا لزوم لأعادته إذ أنّ النفوس باقية إلى الأبد لا تموت ولا تفنى

ولكن بعضها في نعيم وبعضها الآخر في جحيم كلٌّ حسب إيمانه وأعماله فإن كان من المؤمنين الصالحين فمثواه الجنة فهو في نعيم دائم ، و إنْ كان من الكافرين أو المشركين فمثواه النار فهو في عذاب دائم .

قال الله تعالى في سورة البقرة {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} ، والمعنى : لا تظنّوا أنّ هؤلاء الذين قتلوا قي سبيل الله انتهت حياتهم لأنّكم ترون أجسامهم ملقاة على

الأرض ودماءهم تسيل بل هم أحياء ولكن لا تشعرون بهم لأنّكم ترون الأجسام ولا ترون النفوس ؛ والإنسان الحقيقي هو النفس لا الجسم .

وقال تعالى في سورة آل عمران {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، فقوله تعالى {عِندَ رَبِّهِمْ} يعني في الجنات الأثيرية تحت العرش يرزقون من ثمارها ويشربون من

أنهارها ، فلو أنّ الله تعالى قصد يذلك أجسامهم لقال : أحياء في القبر يرزقون .

وقال تعالى في سورة ي س في الرجل الصالح غمالائيل لَمّا مات {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} ، فهل يقال لجسم ميت ادخل الجنّة ؟ كلاّ بل القول

لنفسه لا لجسمه لأنّ النفس باقية لا تفنى ، ولمّا دخلت نفسه الجنّة الأثيرية حينئذٍ قال {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} .

وقال تعالى في سورة الحج {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ، فقوله تعالى {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ} يعني يرزق نفوسهم لأنّ النفوس باقية لا تفنى .

وقال تعالى في سورة النساء {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} يعني معهم في الجنان يتنعّمون .

وقال تعالى في سورة نوح حاكياً عن قومه {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} ، فلما كانت أجسامهم غرقى في الماء فأين تكون النار منهم ؟ ولكن المعنى : أغرقت أجسامهم في الماء وأدخلت نفوسهم في النار ، واعلم أنّ دخول الجنّة في عالم البرزخ هو خاص لبعض النفوس ، وكذلك دخول النار .

وقال تعالى في سورة فاطر {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} فلو كان الإنسان يدخل النار بجسمه المادّي فكيف لا يموت وهي نار جهنّم وإنّ

أقلّ نار من نار الدنيا تميت الإنسان ؟ ولكن لَمّا كان العذاب للنفوس جاز أن يقول { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} لأنّهم نفوس والنفوس لا تموت ولو في النار .

وقال تعالى في سورة إبراهيم {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} ، وقال تعالى في سورة طه {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} يعني لا يموت فيستريح

من العذاب ولا يحيى حياة طيبة .

وقال أبو العلاء المعرّي :

خُلـقَ النـاسُ لِلبقـاءِ فَضَلّـتْ أمّــةٌ يَحسَبونـهـم للـنـفـادِ

إنمـا يُنقَلـون مِـن دارِ أعمـا لٍ إلـى دارِ شِقـوةٍ أو رَشــادِ

فالأجسام الميتة إذاً لا قيمة لَها ما بين المادّة ولا مكان لَها ما بين الأحياء ولا قدرة لّها على شيء لأنّها تتفسّخ بعد الموت وتكون تراباً ، ولا حاجة لأعادتِها إلى الحياة ثانية إذْ أنّها لا تصلح لطبيعة الحياة الجديدة .

والنفوس باقية وهي الإنسان الحقيقي الذي يسمع ويبصر ويعقل ويشعر بالألم واللذّات .

قال الله تعالى في سورة الفجر {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} ، فإنّ الله تعالى قال {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} ولم يقل يا أيّها الإنسان .

وقال تعالى في سورة البقرة {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} ، فإنّ الله تعالى خصّ النفوس بذلك دون الأجسام .

وقال تعالى في سورة آل عمران {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ، فإنّ الله تعالى خصّ النفوس بالمكافآت على أعمالِها دون الأجسام . والآيات كثيرة في القرآن

التي تصرّح بأنّ الحساب والجزاء للنفوس دون الأجسام .

من كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح للمفسر القرآن ((محمد علي حسن )) وللأطلاع على النص الأصلي للموضوع هنا على هذا الرابط

http://quran-ayat.com/saa/index.htm