بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . 29وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا .))
الآية 29 و30 من سورة النساء
التفسير :من كتاب المتشابه من القرآنلمفسر القران المرحوم محمد علي حسن الحلي ،(الطبعة اﻷولى – بيروت – لبنان – 1965)
29(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) أي لا يأخذ بعضكم أموال بعض بدون استحقاق ، وذلك كالرشوة والقمار والربا وغير ذلك من اغتصاب أموال الناس (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً) أي مبايعة (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) أي تجارة صادرة عن تراضٍ منكم (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) لسبب من الأسباب ، فإنّ بعض الناس ينتحر لسبب فقر أصابه أو كرب أو ضيق أو شدّة ، فإن أصابك كرب أو مصيبة فلا تقتل نفسك بل اسأل من ربّك أن يفرّج كربك واصبر قليلاً فإنّ الله تعالى سيفرّج عنك كربك ويزيل همّك ويشرح صدرك ، فقد قال الله تعالى في سورة الشرح {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} وقيل في المثل : الصبر مفتاح الفرج (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فلا يريد الله أن يديم عليكم العسر بل يريد أن يمتحنكم بذلك فيرى هل تصبرون أم تكفرون .
30 – (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ)فيأكل أموال الناس (عُدْوَانًا) أي تجاوزاً لحدود الله وذلك كالسلب والنهب والسرقة (وَظُلْمًا) وذلك كالرشوة والربا وإنكار الأمانة وغير ذلك (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا)يصلى بِها يوم القيامة (وَكَانَ ذَلِكَ) العذاب في النار (عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) أي هيّناً لا يمنعه منه مانع ولا يدفعه عنه دافع . واعلم أنّ الدنيا مدرسة للإنسان فالحوادث والمصائب تكسب الإنسان معلومات فيزداد عقله تدريجياً فيصبح عالماً بالأمور وفي ذلك قيل :
ولو كُشِف الغطاء عن الإنسان لعلم أن ليس في الدنيا مصيية حتّى الموت ، وإليك مثلاً في ذلك : إنّ أعزّ الأشياء على الإنسان في الدنيا إبنه الصغير إذا كان عمره بضع سنوات لأنّه يأنس به ويلاعبه ، فإذا مات هذا الولد فموته أكبر مصيبة على والديه ، وفي ذلك قيل : موت الولد صدع في الكبد لا ينجبر إلى الأبد . فلو كشف الغطاء عن والده وعَلِم عِلْمَ اليقين لرأى أنّ موتَ ابنه الصغير نعمة من الله عليه وليست مصيبة . ولعلّك أنكرت عليّ ايّها القارئ الكريم قولي هذا فتقول : كيف يكون موت الولد نعمة ؟ أقول لك إنّ الإنسان لا يموت بل ينتقل بموته من عالم مادّي إلى عالم أثيري ، وأرواح الأطفال لا تكبر بل تبقى على ما كانت عليه حين موتِها ، فالإنسان لا يتناسل في عالم الأثير ولا يكون له أولاد إلاّ من مات وهو طفل صغير ، فإذا مات أبوه وجد ابنه هناك فيفرح به ويبقى الولد عند أبويه يأنسان به ويلاعبانه في عالم الأثير ، فحينئذٍ يعلمان علم اليقين بأنّ موت ابنهما وهو طفل صغير كان نعمة من الله عليهما إذ لو لم يمت لَما كان لهما طفل في عالم الأثير يأنسان به ، فحينئذٍ يشكران الله على موت ابنهما في سنّ الطفولة .جزَى الله الشدائدَ كلّ خيرٍ عرفتُ بِها عدوّي مِن صديقي
وهكذا كلّ المصائب لو صبرنا عليها لوجدناها في العاقبة نعمة وليست مصيبة ، فهوّن عليك الأمور ولا تحزن لِما فاتك ولا تفرح بِما آتاك .