بسم الله الرحمن الرحيم

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةًقَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً) أي أتجعلنا مكان هزء فتهزأ بِنا ؟ (قَالَ ) موسى (أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) الذين يهزؤون .
وإليك القصّة : قُتِل رجل من بني إسرائيل لأجل ماله ولم يُعرف قاتله ، فجاء أهله إلى موسى وأخبروه ، فسأل موسى ربّه أن يعلمه بالقاتل ، فقال الله تعالى إذبحوا بقرة واضربوا المقتول ببعض لحمها أو بعضو من أعضائها فإنّه يحيى المقتول ثمّ اسألوه عن قاتله فيخبركم . فرجع النبي موسى إلى قومه وأخبرهم بذلك . ولَمّا كان عندهم إحياء الميّت من العجب أخذوا يسألون عن البقرة وأيّ البقر يذبحون ، فقال بعضهم نذبح بقرة مسنّة وقال آخرون بل نذبح بكراً ، ثمّ أجمعوا أن يسألوا موسى بذلك .
68 – (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي نذبحها (قَالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ ) يعني إنّ الله تعالى يقول (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ) الفارض : الكبيرة في العمر ، والبكر : الصغيرة التي ولدت مرّة واحدة ، والمعنى : لا كبيرة ولا صغيرة (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) يعني متوسّطة في العمر فهي بين الكبيرة والصغيرة ، فالعوان : التي ولدت مرّتين أو ثلاثاً (فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ ) به من ذبح البقرة .
69 – ثمّ أخذوا يسألون عن لونِها (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا ) أي شديدة الصفرة ، يقال في صفات الألوان : أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأخضر ناضر ، وأحمر قانٍ وأسود حالك ، (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) أي تعجب الناظرين إليها وتفرحهم بحسنها .
70 – ثمّ أخذوا يسألون عن أعمال تلك البقرة (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) البقرة التي أمرنا بذبحها : أهي من العوامل أم من السوائم (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) أي اشتبه علينا فلا ندري أيّها نذبح (وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) إلى صفة البقرة بتعريف الله إيّانا .
71 – (قَالَ ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ) أي لا تسرع في مشيها بل تسير ببطء ، يقال ناقة ذلول ودابّة ذلول ، إذا كانت تسرع في مشيها ، (تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ ) أي تستعمل لإثارة الأرض يعني للكراب ولا تسقي الزرع (مُسَلَّمَةٌ ) أي سليمة من الأمراض ونقص الأعضاء (لاَّ شِيَةَ فِيهَا ) أي لا كلف في جلدها يخالف لونَها بل كلّها صفراء (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) أي الآن جئت بأوصافها تماماً ، يعني عرفناها وهي بقرة فلان (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) أي قارب أن لا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها ولفضيحة القاتل .
72 – (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) أي تدافعتم في قتلها ، يعني كلٌّ منكم يدفع جريمة القتل عن نفسه ، فالدرء معناه الدفع كقوله تعالىفي سورة النور {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} ، يعني ويدفع عنها العذاب (وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) من أمر القتل .
73 – (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ) أي المقتول (بِبَعْضِهَا) أي ببعض أعضاء البقرة المذبوحة فيحيا المقتول واسألوه عن قاتله ، فلمّا فعلوا جلس المقتول وأخبرهم بالقاتل ثمّ مات (كَذَلِكَ) أي كما أحيا هذا المقتول (يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى ) فلا يصعب عليه شيء (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ) يعني المعجزات الباهرة الدالّة على وحدانيته (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) أي لكي تستعملوا عقولكم ولا تكونوا مقلّدين ، فمن لم يستعمل عقله ولم يبصر رشده فهو كمن لا عقل له .
ولَمّا رأى بنو إسرائيل هذا الحادث سألوا موسى قائلين : إذا قُتِل بعدك أحد منّا في محلّ ولم نعرف قاتله فماذا نصنع ؟ فسأل موسى ربّه عن ذلك ، فقال تعالى : إذا قُتِل إنسان ولم يُعرَف قاتله ، إجمعوا رؤساء تلك المحلّة التي وجد فيها القتيل واذبحوا عجلة من البقر واأتوا بالرؤساء فيغسلوا أيديهم ويقسموا بالله أنّهم بريئون من دم القتيل ، فإذا أبى أحد منهم أن يقسم فإنّه عالم بالقاتل .
وقصّة القتيل والبقرة المذكورة في القرآن كانت مسطورة في التوراة ، ولكن لَمّا هجم نبوخذ نصّر على فلسطين ومزّق التوراة ذهبت منها قصّة القتيل والبقرة ، وبقي فيها حكم المقتول المجهول قاتله مسطوراً ، وذلك في الإصحاح الحادي والعشرين من التثنية .
__________________________________________________ ____________________________________

وهذا هو نص الحكم من الكتاب المقدس
1 إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعا في الحقل، لا يعلم من قتله
2 يخرج شيوخك وقضاتك ويقيسون إلى المدن التي حول القتيل
3 فالمدينة القربى من القتيل، يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها، لم تجر بالنير
4 وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يزرع، ويكسرون عنق العجلة في الوادي
5 ثم يتقدم الكهنة بنو لاوي، لأنه إياهم اختار الرب إلهك ليخدموه ويباركوا باسم الرب، وحسب قولهم تكون كل خصومة وكل ضربة
6 ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي
7 ويصرحون ويقولون: أيدينا لم تسفك هذا الدم، وأعيننا لم تبصر
8 اغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يارب، ولا تجعل دم بريء في وسط شعبك إسرائيل. فيغفر لهم الدم
9 فتنزع الدم البريء من وسطك إذا عملت الصالح في عيني الرب

__________________________________________

المصادر
القرآن الكريم، سورة البقرة
تفسير (المتشابه من القرآن) للمفسّر محمد علي حسن الحلّي رحمه الله تعالى

الكتاب المقدس .العهد القديم. سفر التثنية