ربما لا يعلم الكثير من المسلمين عن وجود دولة اسمها سورينام، وأن تلك الدولة التي تقع في أقصى شمال أمريكا الجنوبية، يصل نسبة المسلمين من سكانها إلى نحو 40% وهي أعلي نسبة لأقلية مسلمة في العالم الجديد. وينمو الإسلام وتزدهر الدعوة في تلك الدولة الصغيرة التي يحدها غربا غويانا الإسبانية، وشرقا غويانا الفرنسية، ومن الجهة الجنوبية البرازيل، ومن الشمال المحيط الأطلنطي، ولولا الخلافات والشقاقات بين المسلمين لأصبحت أول دولة الإسلامية في أمريكا الجنوبية. سورينام .. ماذا؟ تعد سورينام من أصغر دول أمريكا الجنوبية، وتبلغ مساحتها 163.265 كيلومترا مربعا، وعاصمتها مدينة "باراماريبو". اكتشفها الإسبان في نهاية القرن الخامس عشر- بعد سقوط الأندلس بعام واحد- ولم يستعمروها، وقد نازع الهولنديون والإنجليز، الإسبان عليها عدة مرات، إلى أن تمت المقايضة بين هولندا وبريطانيا على سورينام، فكانت من نصيب هولندا؛ بحيث أصبحت مستعمرة هولندية سنة 1667، وقد حصلت سورينام على استقلالها سنة 1975 بعد معارضة حادة من المواطنين الذين هاجر أكثرهم إلى هولندا، وبذلك لم تجد أي وسيلة للتخلص منهم إلا باعتراف استقلال وطنهم، مع البقاء معهم في اتحاد شبيه بالكومنولث والذي يضم المستعمرات الهولندية القريبة منها. وتعد اللغة الهولندية هي اللغة الرسمية في ذلك البلد الصغير الذي أعلن كأكبر محمية غابات مدارية في العالم عام 1998. السكان يصل تعداد سكان سورينام إلى ما يزيد عن 3 ملايين نسمة، وتصل نسبة المسلمين فيهم إلى ما يتراوح بين 35 إلى 40 %، ودفعت تلك النسبة الكبيرة إلى ضم سورينام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1996. وتسمى عملة سورينام "جيلدر" ، ونشاط السكان يرتكز أساسا على الزراعة والفلاحة، وخصوصا في مجال قصب السكر، والأرز والبن، والقطن، وتشتهر سورينام بإنتاج خام البوكسيت؛ فهي تنتج خمس الإنتاج العالمي منه. وصول الإسلام لسورينام قصة طويلة مع الإسلام الذي وصلها منذ عدة قرون ومر بثلاث محطات تاريخية هامة بدأت مع نهاية القرن 15 مع وصول أعداد من المسلمين ضمن أوائل المكتشفين للقارة قادمين من إسبانيا والبرتغال والمغرب وإفريقيا، ولم يتحدث التاريخ الرسمي عن ذلك؛ لأن الأمر كان يتعلق بمسلمين سريين مارسوا عقيدتهم في الخفاء خوفا من محاكم التفتيش الإسبانية. وكانت المرحلة الثانية عندما جلب الهولنديون الرقيق من إفريقيا لتعمير البلاد، ونتيجة لسياسة الاستعباد والظلم ثار الأفارقة بقيادة أحد المسلمين والتجئوا إلى الغابات وبدءوا في صراع مع الهولنديين الذين أرغموا تحت قوة وصلابة المقاومة للتفاوض مع المسلمين الأفارقة الذين عرفوا باسم "جيوكا" أي زنوج الغابة وذلك سنة 1172هـ، وعندما هدأت الثورة بدأ الهولنديون في استقطاب العمال من مستعمراتهم في الهند والصين وإندونيسيا، ثم هاجر إلى البلاد بعض الشوام وزاد حجم المسلمين. وقد أدى الظلم، وتفكك الأسرة، والجهل، والأشغال الشاقة، ونشأة الأجيال في مجتمع بعيد عن الإسلام، إلى انقراض الأفارقة المسلمين وذوبانهم في المجتمع، حتى جاء العمال من اندونيسيا وكانوا كلهم من المسلمين، ثم جاء عمال من الهند كان أغلبهم مسلمين، وكان مجيء المسلمين للبلاد فاتحة خير عليها، فعاد الإسلام للظهور، وأقيمت المساجد، ورفع الآذان، وأقيمت الشعائر بحرية، مما جعل كثيرًا من الأفارقة يعودون إلى الإسلام مرة أخرى. جمعيات وخلافات أسس المسلمون الهنود جمعية لهم باسم جمعية المسلمين السورينامية "أهل السنة والجماعة على المذهب الحنفي" سنة 1375هـ عقب الاستقلال مباشرة، وبنوا عدة مساجد وجوامع كبيرة، وشيدوا عدة مدارس ابتدائية وثانوية، ولهم منظمة جامعة تضم أئمة المساجد، ويصدرون مجلة "الإسلام" باللغة الهندية، ويعتبر الهنود أكثر المسلمين نشاطاً في مجال الدعوة والعمل الإسلامي . وفي المقابل أسس أهل جاوة الإندونيسيون "الاتحاد الإسلامي السورينامي" على المذهب الشافعي، وهذا الأمر يعتبر في حد ذاته أكبر عائق يواجه المسلمين هناك، حيث أن مشكلة التعصب والمذهبية تعيق كثيراً من جهود الدعوة، وإنشاء أمثال تلك الجمعيات على أساس مذهبي يولد العصبية والفرقة والخلاف والنزاع. فهناك جمعيات إسلامية هندية، وجمعيات باكستانية، وجمعيات عربية، وجمعيات إفريقية، وجمعيات سورينامية ..كل جمعية تحاول المحافظة على عاداتها وتقاليدها ولغتها، بالإضافة إلى ارتباطها العضوي بوطنها الأصلي، وهذا ينعكس سلبا في كثير من الجوانب وأهمها التعليم الإسلامي الموحد؛ فتجد الجالية الهندية المسلمة تتكلم أغلبها بالأردية، كما تجد الكثير من المسلمين يتكلمون لغة "تاكي تاكي" وهي خليط من اللغة الهولندية والإسبانية والإنجليزية، أما الإندونيسيون فيتكلمون عادة اللغة الملاوية، ولولا مشكل اللغة والاختلافات المذهبية الضيقة الطاغية على الساحة الدعوية في جمهورية سورينام، لأصبح الإسلام دين الأغلبية في هذا البلد؛ لهذا تجد لكل طائفة مساجدها ومدارسها تعلم فيها أبناءها الدين الإسلامي حسب مذهبهم ولغتهم. فإنشاء تلك الجمعيات على أساس مذهبي يولد الفرقة والعصبية والتشتت، ومما يزيد في الصورة قتامة، وجود مجموعة كبيرة من المسلمين في سورينام انضموا تحت جمعية تسمى "المغربين" يصلون إلى اتجاه الغرب، باعتبارهم لما كانوا في اندونيسيا كانوا يصلون إلى اتجاه الغرب! ولهم مساجد كثيرة بنيت على هذا الأساس. خطر القاديانيين يعد القاديانيون الذين يُقدر تعدادهم بعشرة آلاف، حائلاً دون توحيد المسلمين، وذلك عندما تشكلت «جمعية سورينام الإسلامية» سنة 1367هـ، وكانت تهدف للقضاء على التعصب المذهبي بين الأحناف والشافعية، غير أن القاديانيين تسللوا إلى هذه الجمعية وبدءوا بالدس والتآمر حتى فشلت وفشل معها مشروع الوحدة التي تمثل أكبر مشكلة يتعرض لها المسلمون بتلك البلاد النائية. ويرفع المسلمون نداء للتحرك السريع لتثبيت عقيدة وإسلام مسلمي سورينام من قبل المنظمات الإسلامية والقيادات الإسلامية الفاعلة، ولعل أولى المهمات والمسؤوليات تقع على المؤسسات الإسلامية مثل الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي، بتقديم المناهج الفقهية الوسطية، وإنشاء الجامعات الإسلامية لتثقيف أبناء المجتمعات الإسلامية في عموم أميركا اللاتينية. شمعة أمل رغم تلك الخلافات المذهبية والعرقية بين المسلمين ورغم أخطار البهائية والقاديانية إلا أن هناك مجموعة من الشباب الواعي المتعلم في الجامعات الإسلامية العربية، ورؤساء جمعيات، يحاولون جمع شتات المسلمين في وحدة إسلامية شاملة جامعة مانعة، وعودة الكثير من الأفارقة إلى دين الإسلام، دين أجدادهم وآبائهم، كما أن البرلمان السورينامي ربع أعضائه من المسلمين، بالإضافة إلى هذا، هناك وزراء من المسلمين في الحكومة لهم دورهم الإيجابي والفعال في تحسين صورة الإسلام بين الشعب السورينامي. إضافة إلى وجود عدد من الجرائد والمجلات الإسلامية فضلا عن المؤسسات الخيرية الإسلامية المحلية والدولية، تعمل كلها جاهدة في تقديم العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين، ودعم منح التعليم للطلبة والطالبات وابتعاثهم إلى الخارج لإتمام دراستهم، ومنهم رابطة العالم الإسلامي والهيئة الخيرية التركية. موقع رساله الإسلام