يتساءل بعض الناس : هل نجد نقضاً علمياً للمذهب الإلحادي الذي يرى أن الحياة ظاهرة مادية فقط ، وليس وراء هذه الحياة المادية إذا انتهت بالموت استمرار لوجود روحي ، أو إمكان لحياة أخرى؟
وجوابنا إيجابي حتماً ، فلدينا أدلة علمية توصل إلهيا الباحثون من علماء الطبيعة تثبت الحياة بعد الموت ، على المستوى التجريبي والمعملي .
وأقتبس هنا فقرات مما جاء في كتاب (الإسلام يتحدى)[1]:
"أثبتت البحوث الروحية الحياة بعد الموت على المستوى التجريبي والمعملي . إن الأمر الذي يدفعنا إلى إبداء مزيد من الإعجاب بهذه البحوث هو أنها لا تثبت (بقاءً محضاً) لروح ما ، بل إنها تثبت أيضاً بقاء الشخصيات التي كنا نعرفها بذاتها قبل أن نموت!!
إن هناك خصائص كثيرة يتمتع بها الإنسان من قديم الأزمان ، ولكنا لم نلق الضوء عليها إلا حديثاً ، ومن هذه الخصائص (الرؤيا) التي تعد من أقدم مميزات الجنس البشري ، والحقائق المثيرة التي كشفها علماءُ النفس عن هذه الميزة لم يكن قدماؤنا على علم بها .
وهناك مظاهر أخرى درسناها أخيراً ، وأجرينا بحوثاً وإحصاءات في مختلف أنحاء العالم حولها ، وجاءت البحوث بنتائج غاية في الأهمية .
ومن هذه البحوث ما نسميه (بالبحوث الروحية) وهي فرع من علم النفس الحديث ، وهدفها محاولة الكشف عن المميزات الإنسانية غير العادية ، وقد أقيم أول معهد لإجراء هذا النمط من البحوث عام (1882م) في إنكلترا ، وبدأ علماء هذا المعهد عملهم سنة (1889م) بعد أن قاموا بمسح واسع النطاق على (17) ألفاً من المواطنين ، ولا يزال هذا المعهد موجوداً باسم (جمعية البحوث الروحية) وقد انتشرت الآن معاهد كثيرة في مختلف بلدان العالم ، وأثبتت هذه المعاهد بعد بحوثها وتجاربها الواسعة النطاق أن الشخصية الإنسانية تواصل بقاءها بعد فناء الجسد المادي في صورة غريبة...
وقد ألقى (البروفسور دوكاس) هو أستاذ الفلسفة بجامعة براون ، ضوءاً على الجوانب النفسية والفلسفية من مسألة الحياة بعد الموت ، في الباب السابع عشر من كتابه . والدكتور دوكاس لا يؤمن بالحياة بعد الموت كعقيدة دينية ، وإنما وجد – أثناء بحوثه – شواهد كثيرة اضطر – على أثرها – أن يؤمن بالحياة الآخرة ، مجردة عن قضايا الدين ، وهو يكتب في آخر الباب السابع من كتبه قائلاً:
"لقد قام رهط من أذكى علمائنا وأكثرهم خبرة بمطالعة الشهادات المتعلقة بالمسألة ، وفحصوها بنظرة نقد ثاقبة ، وقد توصلوا آخر الأمر إلى أن هناك شواهد كثيرة تجعل فكرة "بقاء الروح" نظرية معقولة ، وممكنة الحدوث .. وهم يرون أنه لا يمكن تفسير تلك الشواهد إلا على هذا النحو . ومن هؤلاء الكبار الذين قاموا بهذه البحوث نستطيع أن نذكر: الأساتذة (ألفريد راسل واليس)، و(السير وليام كروكس)،و(ف. و. هـ.مايرز) ، و(سيزار لومبرازو) ، و(كميل فلاماريون) ، و(السير أوليفر لوج) ، و(الدكتور ريتشارد هوجسن) ، و(المستر هنري سيدويك) ، و(البروفيسور هيسلوب) ".
ويستطرد الدكتور دوكاس قائلاً :
"ويتضح من هذا أن عقيدة بقاء الحياة بعد الموت – التي يؤمن بها الكثيرون منا كعقيدة دينية – ليس من الممكن أن تكون واقعاً فحسب ، وإنما لعلها هي الوحيدة من عقائد الدين الكثيرة ، التي يمكن إثباتها بالدليل التجريبي . ولو وضح هذا فمن الممكن أيضاً أن نجد معلومات قطعي في هذا الموضوع".
وقد سبق أن استشهدنا حول موضوع الروح بما قاله الدكتور (راين):
"إنه ثبت من أبحاثه في المعامل: أن في الجسم البشري روحاً أو جسماً غير منظور".
هذه البحوث الروحية تنقض قضية الملحدين الماديين من أساسها ، فما أثبته العلم من وجود الروح ومن أن الحياة بعد الموت قضية مؤكدة أو مرجحة ، ينقض نظرتهم القائمة على أن الحياة إنما هي مظهر لتركيب المادة بصورة خاصة ، ومتى انحل هذا التركيب لم يبق أثر للحياة مطلقاً ، بينما يقرر الدين أن الحياة سر روحي ينفخه الله تعالى في الأجساد المادية ، فتكون حية بهبة الله تعالى لها سرّ الحياة ، وهذا ما بدأت الدراسات العلمية تعترف به .
ولدينا أيضاً أدلة أخرى في هذا المجال مما توصلت إليه البحوث النفسية .
أثبتت الدراسات العلمية حول الإنسان أن خلايا جسده المادي تتجدد باستمرار ، وأن هذا الجسد المادي بمثابة نهر جار خاضع لقانون التغير المستمر ، خلايا تتلف ، وغذاء يتحول إلى خلايا جديدة تحل محل الخلايا التالفة ، ويأتي على جسم الإنسان في مدى كل عشر سنوات تجدد كامل لكل خلايا جسمه ، أي: إن الجسد الأول يفنى ويأتي بدله جسد جديد ، ولكن الإنسان لا يشعر بهذا التغير ، ولا يتأثر كيانه الإنساني به ، بل يبقى علمه وذاكرته وعاداته وأمانيه وأفكاره وحبه وبغضه وعواطفه كلها كما كانت ، فلو أن الإنسان كان مظهر تفاعلات مادية صرفة لكان بفناء الخلايا الأولى من جسده ، أو بعبارة أخرى لكان بفناء جسمه السابق الذي حل محله جسم جديد يجب أن تفنى أفكاره السابقة وعواطفه وآماله وأمانيه وكل خصائصه الثابتة التي لا تتغير ، لكن هذا لا يحدث رغم تجدد الجسد تجدداً كلياً في كل عشر سنوات .
فلولا أن شيئاً روحياً غير هذا الجسد المادي يظل مستمراً يحمل الخصائص الإنسانية العليا ، لما استطاع الإنسان المحافظة على مكتسباته السابقة ، بعد فناء جسده السابق ، أو بعد تعرضه لمراحل متعددة من الفناء في حياته .
جاء في كتاب "الإسلام يتحدى"[2]:
"لقد أثبت البحث النفسي الذي ذكرنا آنفاً أن جميع أفكار الإنسان – أو بعبارة أخرى: جميع خلايا مُخه – تبقى بصفة دائمة ، وهذا الواقع يثبت بصراحة أن عقل الإنسان ليس بجزء من جسمه ، فإن جميع خلايا وأنسجة الجسم تتغير تغيراً كاملاً في بضعة أعوام ، ولكن سجل اللاشعور لا يقبل أي تغير أو مغالطة أو شبهة على رغم مرور مئات السنين . ولو كان هذا السجل الحافظ كائناً في الجسم فلا أدري أين مكانه منه؟ وفي أي جزء يكمن على وجه الخصوص؟ ولو كان في أحد أجزاء هذا الجسم فلماذا لا يزول عندما تزول هذه الأجزاء بعد سنوات عديدة؟ ما أعجب هذا السجل الذي تتحطم جميع لوحاته تلقائياً ، ولكنه لا يفنى ولا يزول؟!
إن هذه البحوث الجديدة في علم النفس تؤكد بصفة قاطعة أن الوجود الإنساني لا تنحصر حقيقته في ذلك الجسم المادي الذي يخضع دوماً لعمليات التحكم والاحتكاك والفناء ، بل هو شيء آخر غير هذا كله ، وهو لا يفنى ، بل يبقى مستقلاً ولا يزول".
فقضية الحياة لا تفسر إلا بالحقيقة التي تقررها المفاهيم الدينية ، بالروح التي هي من نفخ الله ، وهذه الروح تبقى بعد فناء الجسد ، وتبقى بعد الموت ، لأن الموت إنما هو انفصال كامل للروح عن الجسد .
منقول