الايمان بالماشياح, اي المسيح المخلص, والالتزام بانتظار مجيئه, هو احد المعتقدات الراسخة التي يتمسك بها كل يهودي مؤمن منذ مئات السنين. والايمان بمجيئ (الماشياح) هو أحد اركان الديانة اليهودية الثلاثة عشر التي ألفها (موسى بن ميمون), كبير الحاخامين اليهود في العصور الوسطى. وتتلى هذه الاركان يوميا بعد صلاة الفجر, حيث يرد في الركن الثاني عشر منها : "انا مؤمن ايمانا كاملا بمجيئ (الماشياح). وعلى الرغم من انه قد يتأخر, فانني سأنتظر مجيئه في كل يوم".
ومع ذلك لا يعرف اليهود اين سيظهر المسيح المنقذ. فالكتاب المقدس لم يذكر شيءا عن هذا الموضوع, فيما تروي بعض التقاليد اليهودية ان المسيح المنقذ قد يظهر في اماكن مختلفة, ومنها مدينة روما الايطالية. ولكن أي من تلك الروايات لم تذكر منطقة خراسان او أي مكان اخر في ايران.
وكلمة (الماشياح) كانت اصلا , صفة اطلقت في العصور القديمة على ملوك اسرائيل الذين تم مسح رؤوسهم بالدهن المقدس, خلال مراسم تتويجهم. ومن هنا فان صفة (هَامَاشِيَاحْ), اي المسيح, اشتقت من الفعل (مَشَحْ-משח) بالعبرية, او (مَسَحَ) بالعربية.
واتخذ مصطلح المسيح مفهوما اخر خلال عهد الانبياء الذين عاشوا في اواخر عهد ملوك اسرائيل في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد, ومنهم ارميا واشعياء وحزقيال. وترد كلمة (هاماشياح) في هذه النبؤات كصفة لملك عادل يحكم العالم مبعوث من قبل الرب عز وجل, لينقذ جميع شعوب العالم, بما فيها الشعب اليهودي, من الظلم والجور والمآسي التي يعيشها البشر. وسيكون المسيح المخلص وفقا لهذه النبؤات, من نسل الملك داود عليه السلام.
الا ان مفهوم مصطلح المسيح المخلص في يوم القيامة لدى اليهود كما نعرفه اليوم, لم يتبلور الا خلال فترة متأخرة نسبيا من تاريخ الشعب اليهودي, أي خلال حكم الملوك السلوقيين للبلاد في القرن الثاني قبل الميلاد, حيث دنس هؤلاء الملوك الهيكل المقدس وحظروا على اليهود اقامة الشعائر الدينية اليهودية. وقد تعزز الايمان بمجيء المسيح في اعقاب خراب الهيكل الثاني في القرن الاول الميلادي, على ايدي الغزاة الرومان.
ثم عندما قاد (شمعون بار كوخفا-Shimon Bar Kokhva) ثورة اليهود الكبرى ضد الرومان في البلاد عام 132 ميلاديا, اعتبره العديد من ابناء الشعب اليهودي, المسيح المخلص. ولكنه في اعقاب قمع تلك الثورة بعد عامين, واجلاء معظم سكان البلاد اليهود عنها, تبلور الادراك لدى الشعب اليهودي, ان المسيح المخلص قد يتأخر عن الظهور, ويجب انتظار مجيئه.
ويمكن القول ان الايمان بالمسيح المنقذ أصبح مبعث امل لابناء الشعب اليهودي طوال سنوات تشتتهم, ومن العوامل الرئيسية التي عززت قدرتهم على الصمود بوجه الاضطهادات والملاحقات والكوارث التي حلت بهم.
اما في القرن التاسع عشر, فقد اخذ بعض المفكرين اليهود يركزون على المفاهيم والقيم الانسانية والاخلاقية التي تنطوي عليها فكرة (هاماشياح), المسيح المخلص. وقد رأى هؤلاء المفكرون, ان الايمان بمجيئه, هو عبارة عن التطلع الى تحقيق المثل العليا, وفي مقدمتها السلام والمساواة والعدل, كما اعتبر المفكرون اليهود انتظار مجيئ (هاماشياح), تعبيرا للآمال في قدرة الانسان على تغيير الاوضاع, مهما ساءت.
والجدير بالاشارة بهذا الصدد, الى ان اليهود المتزمتين يرفضون هذا التفسير, متمسكين بما ينص عليه الكتاب المقدس حول مجيئ المسيح. ومن هذا المنطلق يرفض اليهود المتزمتون مبادئ الحركة الصهيونية, وفي مقدمتها اقامة دولة اسرائيل, وذلك على الرغم من ان التوراة لا تحظر على اليهود الانتقال الى ارض اسرائيل, واعادة بناء دولتهم فيها, قبل مجيئ المسيح المنتظر.
ويذكر اخيرا ان الايمان بمجيئ المسيح المخلص, كان اساسا لتطور العقيدة المسيحية قبل الفي عام, حيث امنت فئة من الشعب اليهودي انذاك, بان يسوع بن مريم عليه السلام هو المسيح المنتظر. |