كتاب المتشابه من القرآن :الطبعة الأولى في بيروت عام 1966، فيه فسر المرحوم محمد علي حسن الحلي الآيات المتشابهة من سورة الأنعام .5 – (فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ) به محمّد من الأدلّة العقلية والبراهين العلمية والآيات القرآنية واستهزؤوا بِها ، وكان استهزاؤهم بالآيات المتشابهة من القرآن (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) في المستقبل (أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) من الآيات المتشابهة ، يعني سيأتيهم تأويلها وتفسيرها حتّى يعلموا أنّه كلام الله وليس من قول البشر كما يزعمون . والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة ص : {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ، أي بعد زمن .
بسم الله الرحمن الرحيم
8 – (وَقَالُواْ) أي كفّار قريش (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) من السماء فيخبرنا بأنّ محمّداً نبيّ وهو صادق في دعوته . فردّ الله عليهم قولهم وقال (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ) بإهلاكهم ، والمعنى لو أنزلنا ملكاً من السماء كما اقترحوا لقالوا عند رؤيته هذا سحرٌ مبين ، كما قال فرعون وقومه لَمّا رأوا العصا صارت حية ، فكذلك قريش إذا لم يؤمنوا عند رؤية الملَك وجب عليهم الهلاك والدمار فنهلكهم وينتهي الأمر (ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ) أي لا يمهلون .
9 – (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً) لأنّ الملائكة أثيريون لا ترهم الناس ولا تسمع أصواتهم إلا بالإيحاء فيجب أن نجعل للملك جسماً مادياً لكي يراه الناس (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) يعني إذا جعلناه رجلاً التبس الأمر عليهم كما هم ملتبسون الآن .
12 – (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ) أي يجمع أرواحكم في عالم البرزخ ، لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ثمّ يحاسبكم ويجازيكم ، فمجمع النفوس يكون هناك فيلتقي الأبناء بالآباء (لاَ رَيْبَ فِيهِ) أي لا شكّ في يوم القيامة لأنّه آتٍ لا محالة ، إنّ الكافرين المنكرين له (الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ) حيث أبدلوا الجنَة بالنار والعزّ بالعار (فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) بالحساب .
19 – أتى أهل مكّة رسول الله فقالوا أما وجد الله رسولاً غيرك ؟ ما نرى أحداً يصدّقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فقالوا أنّه ليس لك عندهم لك عندهم ذكر فأرِنا من يشهد لك أنّك رسول الله كما تزعم . فأنزل الله هذه الآية (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء الكافرين (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً)1 على صدقي كلام الله أم كلام الناس ؟ فالله أعلم بالأشياء من الناس وهو الذي أرسلني والقرآن كلامه ، فلماذا تصدّقون كلام اليهود والنصارى وتكذّبون كلام الله ؟ (قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يسمع أقوالكم ويرى أفعالكم ، وكلامه القرآن يشهد لي بأنّي رسول الله إليكم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ) من عذاب الله وعقابه إن لم تؤمنوا وتتركوا عبادة الأوثان (وَمَن بَلَغَ) أشدّه أيضاً ينذر بالقرآن وهو يشهد لي أيضاً . ونظيرها في آخر سورة الرعد وهي قوله تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} . يعني ومن عنده علم الكتاب فهو يشهد لي أيضاً ، ويريد به المهدي وكذلك قوله تعالى (وَمَن بَلَغَ) يريد به المهدي وذلك من قوله تعالى في سورة الأحقاف {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ..الخ} ، وهذه الآية في وصف المهدي وهي في سورة الأحقاف .
(أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى) هذا سؤال على وجه الإنكار والتوبيخ وتقديره كيف تشهدون أنّ مع الله آلهةً أخرى بعد وضوح الأدلّة وقيام الحجّة على وحدانيّته (قُل لاَّ أَشْهَدُ) كما تشهدون (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) به .منقول