بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }
صدق الله العظيم
التفسير من كتاب المتشابه من القرآن لمحمد علي حسن الحلي ،(الطبعة اﻷولى – بيروت – لبنان – 1965)
(فَوَيْلٌ ) أي شدّة العذاب (لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ ) : هجم نبوخذنصّر على فلسطين وقتل كثيراً من اليهود ومزّق التوراة وأسر الباقين إلى أرض بابل في العراق وبقوا فيها سبعين سنة ، ولَمّا رجعوا إلى فلسطين أخذ علماء اليهود في جمع الرقوق المتمزّقة من التوراة ، والذي كان يحفظ شيئاً منها كتبها ويكتب ما يحفظه غيره أيضاً حتّى جمع كلّ واحد من علمائهم كتاباً وقدّموه إلى قومهم ورؤسائهم وقالوا هذه التوراة التي أنزل الله . 1
وكان اليهود يرفضون ذلك منهم لِما يرونه فيها من الزيادة والنقصان ، فجاء الكاهن عزرا بن سرايا "عزير" وكان من علمائهم فعمل معهم حيلة فكتب كتاباً ونقّحه وترك كلّ كلمة (الله) في الكتاب فارغة ، ولَمّا أكمل الكتاب أخذ يكتب ذلك الفراغ بكتابة مخفية لا ترى بالعين ولا يظهر لونها ويكون أسوداً إلاّ يعد عرضها لأشعة الشمس ، وكانوا في ذلك الوقت لا يعرفون تلك الكتابة المخفية ، ولكن عزرا تعلّمها في بابل وكان كاتباً ماهراً ، وكان ملك بابل أعطاه سلطة على اليهود وقرّبه في أرض بابل ، والكتابة المخفية هي محلول نترات الفضة فإذا كتبتها على ورقة فلا تظهر كتابتها إلاّ بعد عرضها لأشعة الشمس .
ولَمّا أكمل الكتاب جاء به إلى رؤساء اليهود وقال هذه التوراة التي أنزلها الله على النبي موسى لم تزد كلمة ولم تنقص كلمة . قالوا وما البرهان على ذلك ؟ قال إنّي تركت كلّ كلمة (الله) فارغة في الكتاب وبعد أربعين يوماً تجدونها مكتوبة وإنّ الله تعالى سيكتبها بقلم القدرة ليكون ذلك برهاناً على صدقي .
قالوا له : يجوز أنّك تكتبها وتقول إنّ الله كتبها ، فإنّنا لا نقبل منك حتّى تبقى هذه التوراة عندنا أربعين يوماً وأنت لا تقترب منها فإذا وجدناها بعد هذه المدّة مكتوبة كما قلت فأنت صادق ، وإن وجدناها غير مكتوبة فلا نقبلها منك . فرضي عزرا بِهذا الشرط وقال يجب أن تضعوها مكشوفة أمام السماء ، فقالوا لك ذلك .
فأخذوا ذلك الكتاب الذي كتبه عزرا ووضعوه في محلّ مرتفع وأقاموا عليه حرّاساً أربعين يوماً لئلاّ يمسّه أحد فيكتب ما أراد ، ولَمّا كملت المدّة فتحوا الكتاب فوجدوه مكتوباً كما أخبرهم عزرا لأنّه كان من جلد الغزال فأثّرت به أشعّة الشمس فاسودّت الكتابة التي كتبها بمحلول نترات الفضّة ، فحينئذٍ صدّقوه وقبلوا الكتاب منه وصاروا يحترمونه وأصبح رئيساً على علمائه ، فحينئذٍ قالت فرقة منهم عزرا إبن الله .
فهذا معنى قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) أي ليحصلوا على ذلك ثمناً قليلاً هي الرياسة والأموال التي حصلوا عليها بسبب الرياسة ، وإنّما قال الله تعالى (ثَمَناً قَلِيلاً ) ، لأنّ المال يزول ، وهو قليل بالنسبة للآخرة مهما كثر ، (فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) أي عذاب لهم بسبب الذي كتبته أيديهم من تغيير وتبديل (وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) من الأموال .
وإنّما توعّده الله بالعذاب لأنّه قال هذا الكتاب من عند الله وقد فاته أشياء لم يكتبها ، ومِمّا فاته كتابة صفة محمّد خاتم النبيين لم يكتبها 2 ، وزاد كثيراً في التوراة من تلقاء نفسه ، فكان ذلك سباً لكفر اليهود وجحودهم نبوّة محمّد ونبوّة عيسى .
[ http://quran-ayat.com/khilaf/index.htm#توراة_عزرا__ ]
--------------------------------------------------------
1[ وهم ثلاثة أحدهم يهويست بذكر إسم الجلالة يهوه ، والثاني إلوهيست يذكره باسم إلوهيم ، والثالث أمحرز وهو يوفّق بين الإثنين . والتوراة الحالية هي لعزرا الكوهين أحد الخصيان الذين خدموا نبوخذنصّر . – المراجع ]
2 [ ومع ذلك فإنّ الآية 18 من سفر التثنية بإصحاحه الثامن عشر تنبئ بمجيء الرسول العربي الأمّي من أولاد إسماعيل أخ إسحق . – المراجع ]