التفسير الميسر لأهل السنة
حتى إذا وصل ذو القرنين إلى مغرب الشمس وجدها في مرأى العين كأنها تغرب في عين حارة ذات طين أسود، ووجد عند مغربها قومًا. قلنا: يا ذا القرنين إما أن تعذبهم بالقتل أو غيره، إن لم يقروا بتوحيد الله، وإما أن تحسن إليهم، فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد.
تفسير الشيعة (الميزان في تفسير القرآن) العلامة محمد حسين الطباطبائي
قوله تعالى: «حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة و وجد عندها قوما» تدل «حتى» على فعل مقدر و تقديره «فسار حتى إذا بلغ» و المراد بمغرب الشمس آخر المعمورة يومئذ من جانب الغرب بدليل قوله: «و وجد عندها قوما».و ذكروا أن المراد بالعين الحمئة العين ذات الحمأة و هي الطين الأسود و أن المراد بالعين البحر فربما تطلق عليه، و أن المراد بوجدان الشمس تغرب في عين حمئة موقف على ساحل بحر لا مطمع في وجود بر وراءه فرأى الشمس كأنها تغرب في البحر لمكان انطباق الأفق عليه قيل: و ينطبق هذه العين الحمئة على المحيط الغربي و فيه الجزائر الخالدات التي كانت مبدأ الطول سابقا ثم غرقت.و قرىء «في عين حامية» أي حارة، و ينطبق على النقاط القريبة من خط الاستواء من المحيط الغربي المجاورة لإفريقية و لعل ذا القرنين في رحلته الغربية بلغ سواحل إفريقية.
تفسير من كتاب الكون والقرآن للراحل محمد علي حسن الحلي )
س 42 : إذاً فما معنى قوله تعالى في سورة الكهف {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا} ؟
ج : إسكندر المكدوني [هو إسكندر الكبير الملقّب بذي القرنين ، توفّي في بابل ، تعلّم على يد أرسطوطاليس ، تبوّأ الحكم الملكي في مكدونيا محلّ فيلبس أبيه ، وعزم على فتح امبراطوريّة الفرس فكسرهم في آسيا الصغرى (أبسوس 334 ق م ) ، ثمّ في سواحل فينيقيا (بعد أن حاصرَ صور سبعة أشهر ) ، ثمّ في مصر (أسّس الاسكندريّة) ، أخيراً ضيّق على داريوس في العراق فانتصر عليه في أربيل (331 ق م ) ، وتابع زحفه إلى أطراف فارس وتجاوزها إلى ضفاف نهر هندوس . وذو القرنين من أعظم الغزاة وأشجعِهم .
وقد تنبّأ عنه النبي دانيال قبل مولده وذلك في الإصحاح الثامن من سِفر دانيال من مجموعة التوراة ؛ فرأى كبشاً له قرنان طويلان ينطح بِهما ، فنطحَ غرباً وشمالاً وجنوباً فلم يقفْ حيوانٌ أمامه ولا منقذَ من يده وفعلَ كما يريد . فلذلك لُقِّب بذي القرنين .]
لمّا وصل إسكندر إلى الغرب أي إلى الحبشة وجد سكّان ذلك القطر يعبدون الشمس ، وذلك أنّهم يجتمعون خارج المدينة وقت غروبِها وهم ينظرون إليها ويرتّلون الأناشيد الدينيّة ، فإذا كادت تختفي عن الأنظار سجدوا لَها بأجمعِهم ، وكانت لهم ملكة سوداء تؤمّهم فيتبعونَها في ذلك .
التفسير :
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ} إسكندر {مَغْرِبَ الشَّمْسِ} يعني وصل ذلك المكان وقت غروب الشمس {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي وجده تغرب في مراقبة امرأة سوداء ، وهي ملكتهم ، والمعنى : وجدها تغرب على قومٍ يراقبون الشمس عند غروبِها ويسجدون لَها ولهم ملكة سوداء تؤمّهم فيقلّدونَها .
فالعين يريد بِها المراقبة يقال " فلان في عيني" أي في مراقبتي . قال الله تعالى في سورة هود{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} أي بمراقبتنا ووحينا ، وقال تعالى في سورة القمر{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} وقال تعالى في سورة الطور{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} يعني في مراقبتنا . وقال الحاجري :
أخاف عليها من عيونِ وشاتِها وآخذُ عنها حينَ تقبلُ جانبا
والمعنى أخاف من مراقبة وشاتِها .
وقال عمرو بن كلثوم :
تريكَ إذا دخلتَ على خلاءٍ وقد أمنَت عيونَ الكاشحينا
وقال أيضاً :
بِيومِ كريهةٍ ضرباً وطعناً أقرَّ بِهِ مواليكِ العيونا
وقال جرير :
ونرهبُ أن نزوركمُ عيوناً مصانعةً لأهلِكِ وارتِقابا
و"الحمِئة" معناها السوداء ، يقال "تحمّم الجدار" أي صار أسود من الدخان ، ويقال "حَمَّم الغلام" أي بدت لحيته ، و"الحُمَم" هو الرماد والفحم وكلّ ما احترق بالنار . ومن ذلك قول جرير :
عاذت بِربِّكَ أن يكون قرينُها قيناً أحمَّ لِفَسوِهِ إعصارُ
فالقين هو الحدّاد ، وقوله "أحمّ" يعني تلطّخ بِسواد الفحم ودخان النار وصدأ الحديد .
وقوله تعالى{وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا} يعني : وجد الإسكندر عند المرأة السوداء قوماً يفعلون كفِعلِها ، {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} وهذه كنية الإسكندر {إِمَّا أَن تُعَذِّبَ} هؤلاء القوم الذينَ يعبدونَ الشمس إنْ لمَ يؤمنوا ، {وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} إذا آمنوا وانقادوا لأمرنا .
فالعين يريد بها المراقبة وليس المراد بِها عين ماء ، والدليل على ذلك قوله تعالى عند شروقِها {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا} ؛ فلو كان المراد بالعين عين ماءٍ لقال " وجدها تخرج من عينٍ" ، ولكن معنى الكلام : وجدها تغرب على قومٍ هذه صفتُهم وتطلع على قومٍ تلك صفتُهم ، فإنّه تعالى أراد بذلك وصف القوم لا وصف الشمس ، والطلوع معناه الظهور للعيان ، ومن ذلك قول عنترة :
أنا الهِزَبرُ إذا خيلُ العِدا طَلَعَتْ يومَ الوغى ودماءُ الشوس تندفقُ