مقدمة في علوم القرآن الكريم - الأحرف السبعة والقراءات
تعريف الأحرف السبعة :
لغةً : الحرف في أصل كلام العرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.
اصطلاحاً: الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.
بيان الأحرف السبعة في الحديث النبوي :
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذي لا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُ بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " كذلك أُنزلت " ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:" اقرأ يا عمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أُنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".
الأحرف السبعة والقراءات السبع :
دلتنا النصوص على أنّ المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بها القرآن الكريم ، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظن كثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييز بين الأحرف السبعة والقراءات.
وهذه القراءات السبع إنما عُرفت واشتُهرت في القرن الرابع ، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيه قراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقة لعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهم أحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجها للناس …
وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءات السبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.
حقيقة الأحرف السبعة :
ذَهَب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول:
مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.
أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة :
ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَاتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به :
ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقُرِئَ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.
ثالثها: وجوه الإعراب:
ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قُرِئ بفتح الراء وضمها. وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.
رابعها: الزيارة والنقص:
مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.
خامسها: التقديم والتأخير:
مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون}
ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها: القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر:
مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.
سابعها: اختلاف اللغات:
مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.
المذهب الثاني:
أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة. وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأُنزل القرآن الكريم على سبع لغات مراعياً ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن الكريم بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على كلّ العرب ، وبذلك كان القرآن نازلاً بلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. حيث نرى أن المذهب الثاني أرجح وأقوى.
العودة للفهرس
القراءات السبعة
تعريف القراءة:
لغةً: مصدر ل: قرأ
واصطلاحاً: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.
هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للإمام المُقرئ كما ذكرنا من قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلّى الله عليه وسلم.
والمقرئ: هو العالم بالقراءات ، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلّى الله عليه وسلم.
ضابط القراءة المقبولة :
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها، فهي القراءة الصحيحة.
يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول: موافقة العربية ولو بوجه: ومعنى هذا الشرط أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثله، فلا يصح مثلا الإعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.
الشرط الثاني: موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا: وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه. مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدون ألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً، ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .
الشرط الثالث: تواتر السند: وهو أن تعلم القراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.
أنواع القراءات حسب أسانيدها :
لقد قّسم علماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:
الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات.
الثاني: المشهور: وهو ما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.
الثالث: الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الإشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضر وعباقري حسان)) ، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76].
الرابع: الشاذ: وهو ما لم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة : ((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغة الماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.
الخامس: الموضوع: وهو المختلق المكذوب.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير.
ملاحظة : الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها، ويُعاقب من قرأ بها على جهة التعبير.
القراءات المتواترة وقُرّاؤها:
من الضروري والطبيعي أن يشتهر في كل عصر جماعة من القراء، في كل طبقة من طبقات الأمة، يتفقون في حفظ القرآن، وإتقان ضبط أدائه والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهم وهكذا …
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم. فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم. وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن مُحَيْص. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النَّجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثم حمزة بن حبيب، ثم الكِسائي أبو علي بن حمزة. وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدري،ثم يعقوب الحضرمي. وكان بالشام: عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارث الذماري، ثم شريح بن زيد الحضرمي.
ثم جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد المتوفى سنة ( 324ه ) فأفرد القراءات السبع المعروفة، فدونها في كتابه: " القراءات السبعة" فاحتلت مكانتها في التدوين، وأصبح علمها مفرداً يقصدها طلاب القراءات. وقد بنى اختياره هذا على شروط عالية جداً، فلم يأخذ إلاّ عن الإمام الذي اشتهر بالضبط والأمانة، وطول العمر في ملازمة الإقراء، مع الاتفاق على الأخذ منه، والتلقي عنه ، فكان له من ذلك قراءات هؤلاء السبعة، وهم:
عبد الله بن كثير الداري المكي، (45-120 ه).
عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي (8-18 ه).
عاصم بن أبي النَّجود الأسدي الكوفي، المتوفى سنة (127ه).
أبو عمرو بن العلاء البصري، (70-154 ه).
حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، (8-156 ه).
نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، المتوفى سنة (169ه).
أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي، المتوفى سنة (189ه).
وقد علمت من مسرد أئمة الأمصار الإسلامية أن القراءات أكثر من ذلك بكثير، لكن ابن مجاهد جمع هؤلاء السبع قِراءات لشروطه التي راعاها .
وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة، حتى استقر الإعتماد العلمي، واشتهر على زيادة ثلاث قراءات أخرى ، أضيفت إلى السبع، فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات ، وهذه القراءات الثلاث هي قراءات هؤلاء الأئمة:
أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، المتوفى سنة (130ه).
يعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي، المتوفى سنة (205ه).
خلف بن هشام، المتوفى سنة (229 ه).
أهمية الأحرف السبعة والقراءات
إن الأحرف السبعة والقراءات ظاهرة هامة جاء بها القرآن الكريم من نواح لغوية وعلمية متعددة، نوجز طائفة منها فيما يلي:
-1 زيادة فوائد جديدة في تنزيل القرآن:
ذلك أن تعدد التلاوة من قراءة إلى أخرى، ومن حرف لآخر قد تفيد معنى جديداً، مع الإيجاز بكون الآية واحدة.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قرىء: {وأرجِلَكم} بالنصب عطفاً على المغسولات السابقة، فأفاد وجوب غسل القدمين في الوضوء، وقرىء بالجر، فقيل: هو جر على المجاورة، وقيل: هو بالجر لإفادة المسح على الخفين، وهو قول جيد.
-2 إظهار فضيلة الأمة الإسلامية وقرآنها:
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله، فإنما نزل بلسان واحد، وأنزل كتابنا بألسن سبعة بأيها قرأ القارىء كان تالياً لما أنزله الله تعالى.
-3 الإعجاز وإثبات الوحي:
فالقرآن الكريم كتاب هداية يحمل دعوتها إلى العالم، وهو كتاب إعجاز يتحدى ببيانه هذا العالم ، فبرهن بمعجزة بيانه عن حقيقة دعوته، ونزول القرآن بهذه الأحرف والقراءات تأكيد لهذا الإعجاز، والبرهان على أنه وحي السماء لهداية أهل الأرض من أوجه هذه الدلالة:
إن هذه الأحرف والقراءات العديدة يؤيد بعضها بعضاً من غير تناقض في المعاني والدلائل، ولا تناف في الأحكام والأوامر، فلا يخفى ما في إنزال القرآن على سبعة أحرف من عظيم البرهان وواضح الدلالة.
إن نظم القرآن المعجز، والبالغ من الدقة غايتها في اختيار مفرداته وتتابع سردها، وجملة وإحكام ترابطها، وتناغمه الموسيقي المعبر يجري عليه كل ما عرفنا من الأوجه السابقة في الأحرف والقراءات ثم يبقى حيث هو في سماء الإعجاز، لا يعتل بأفواه قارئيه، ولا يختل بآذان سامعيه، منزها أن يطرأ على كلامه الضعف أو الركاكة، أو أن يعرض له خلل أو نشاز.