حالة فريدة فى القرآن الكريم تتمثل فى كلمة { أحمد } التى وردت فى قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } ([1]) .من الإعجاز القرآني
قال الرازى ( ت606هـ ) فى تفسيره لهذه الآية :
وقوله تعالى: { أَحْمَدُ } يحتمل معنيين أحدهما: المبالغة في الفاعل، يعني أنه أكثر حمداً لله من غيره وثانيهما: المبالغة من المفعول، يعني أنه يحمد بما فيه من الإخلاص والأخلاق الحسنة أكثر ما يحمد غيره ([2]). .
وقال الشوكاني (ت 1250 هـ) فى تفسيره :
وأحمد اسم نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو علم منقول من الصفة، وهي تحتمل أن تكون مبالغة من الفاعل، فيكون معناها أنه أكثر حمداً لله من غيره، أو من المفعول، فيكون معناها أنه يحمد بما فيه من خصال الخير أكثر مما يحمد غيره([3]) .
لقد عُرف خاتم الرسل بين الناس قبل النبوة باسم " محمد " ، وعرف بينهم بعد النبوة باسم " محمد " ، وذكره القرآن بهذا الاسم أربع مرات، وردت فى قوله تعالى :
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } ([4]).
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ([5]).
{ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } ([6]).
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } ([7]).
وذكره القرآن مرة واحدة باسم { أحمد } ، ولو كان القرآن من عند محمد ـ كما يدعون ـ لكان أولى به أن يذكر اسم " محمد " فى بشارة " عيسى " عليه السلام التى وردت فى سورة الصف { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } .
وتبين لنا الآية أن عيسى عليه السلام قد ذَكر اسم خاتم الرسل أمام قومه، ولو افترضنا أن المسيح عليه السلام ذكر اسم "محمد" صلى الله عليه وسلم دون ترجمة إلى السريانية لما فهم اتباع المسيح كلمة "محمد" ، ويبدو أنه ترجمها إلى لغته حتى يصل إليهم معنى الاسم بما فيه من معانى الحمد والثناء، يتضح من هذا أنهم قد سمعوا هذا الاسم وعرفوا معناه فى لغتهم .
ولنا أن نتساءل ماهى الكلمة الأصلية التى استعملها المسيح عليه السلام بلغته الآرامية السريانية، هل يجوز أن يبشر المسيح عليه السلام برسول يأتى من بعده اسمه أحمد، ثم يأتى خاتم الرسل ويُنادى طول حياته باسم " مُحَمَّد " ، ربما أن هذا الاسم قيل بلغة المسيح، ونقل لنا القرآن المعنى الذى وصل إليهم.
مُحَمَّد و أَحْمَدُ
ـ " مُحَمَّد " فى العربية : اسم مفعول من الفعل حَمَّد ، يقال فى الماضى : حَمَّد، وفى المضارع: يُحَمِّد، واسم الفاعل: مُحَمِّد، بقلب حرف المضارعة ميماً بنفس الحركة، واسم المفعول: مُحَمَّد بقلب كسرة اسم الفاعل فتحة .
ـ " أَحْمَدُ " فعل مضارع مسند إلى ضمير المتكلم من الفعل حَمِد، ويقال حَمِدَه، أى:أثنى عليه، والمضارع مع ضمير الغائب: يَحْمَدُ، والمضارع مع المتكلم: أَحْمَدُ.
وبالبحث فى قواميس اللغة السريانية، وجدنا أن الفعل الذى يدل على الحمد والثناء فى السريانية دون غيره ، هو : شَبَح šabba… ولفظه السريانى " شَبَّح " والذى يقابل الفعل " سَبَّحَ " فى العربية لفظاً ومعنى، لأن الشين فى السريانية تقابل السين فى العربية، ومن معانيه أيضا : مَجَّدَ ، أى : عّظَّمَ وأثنى ، وكذلك : حَمِد ، والمضعف حَمَّدَ ، وكلاهما بمعنى الثناء . موضوع منقول