بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب سيكون من كتاب المتشابه من القران للمرحوم محمد علي حسن الحلي
30 – (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) يخلف مَن مضى قبله من الأمم (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) كما فسدت الأمم الماضية 1، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ألا تكتفي بنا عبيداً (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي أنا أعلم أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ولكن لي منهم نخبة وفيهم الكفاية فهؤلاء يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً ، ويريد بذلك الأنبياء والهداة . وقد سبق شرح هذه الآية في كتابنا (الكون والقرآن) .
-------------------------------------------
1[بينما المفسّرون السابقون يخالون أنّه تعالى جعل آدم خليفة لله , ويا عجباً كيف ظنّوا ذلك والخليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء ! والمؤلّف هو أوّل من أوضح الخلافة هذه وبيّن كون أبينا آدم هذا آخر أب للجنس الرابع . – المراجع]
31- (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) أي أسماء الأنبياء والهداة (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ) أي عرض كنيتهم على الملائكة ، فقال تعالى : أتعرفون خليلي منهم ؟ قالوا : لا ، قال : أتعرفون كليمي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون روحي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون حبيبي منهم ؟ قالوا : لا ، فقال : أتعرفون أمري منهم ؟ قالوا : لا نعرف ، (فَقَالَ) الله تعالى للملائكة (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء) الدعاة إلى الله (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) بأنّكم تعلمون أنّ أولاد آدم يفسدون في الأرض .
32 – (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) أي تنزيهاً لك عن الخطأ فإنّك لا تخلق الخلق إلاّ لمصلحة فإنّنا لا علم لنا بالغيب إلاّ ما أنبأتنا عنه (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ) بِما غاب عنّا (الْحَكِيمُ) في مخلوقاتك لا تخلق شيئاً عبثاً .
33- (قَالَ) الله تعالى (يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ) أي علّمْهم بأسماء هؤلاء الدعاة إلى الله الذين يأتون من نسلك ، فقال آدم للملائكة : إسم خليله إبراهيم ، واسم كليمه موسى ، واسم روحه عيسى ، واسم حبيبه محمّد ، واسم أمره محمّد أيضاً : المهدي صاحب الزمان ، وهكذا أعلمهم آدم أسماء الدعاة إلى الله : من ذكرنا ومن لم نذكر ، (فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ) الله تعالى للملائكة (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي أعلم ما غاب عنكم في السماوات وفي الأرض (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ) أي ما تظهرون (وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) أي وما تخفون في ضمائركم .
35 – (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) البستان تسمّى بلسان العرب جنّة ، والشاهد على ذلك قول شاعرهم:
كانتْ لَهمْ جنّةٌ إذْ ذاكَ ظاهرةٌ فيها الفراديسُ والفُومانُ وَالبَصَلُ
فإنّ الله تعالى خلق آدم وحوّاء على جبل من جبال الأرض ، وكان فيه كثير من الأشجار والفواكه وفيه ينابيع المياه ويكتنف أصناف الطيور والأنعام ، ولذلك قال الله تعالى (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا) أي وكلا من ثمار الجنة وطيورها وأنعامها واشربوا من ألبانِها ، ومن ذلك قول امرئ القيس :
بَيْنَمَا المَرْءُ تَراهُ نَاعِمــاً يَأْمَنُ الأَحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ
(وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ) لأنّ فيها شوكاً يمزّق ثيابَهما ويخدش أيديهما عند تناولِهما من ثمرتِها ولذلك منعهما من التقرّب إليها 1 وهي شجرة العلّيق "علگة" (فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) لأنفسكما بتناولكما من ثمرتِها .
وذلك الجبل هو قطعة من كوكب كان مسكوناً في قديم الزمان وكان فيه من البشر والحيوان والنبات وغير ذلك من الأحياء ، فلمّا قامت قيامته تمزّق فصارت نيازك سقط بعضها على أرضنا فصارت جبالاً ، ولَمّا سقطت عليها الأمطار وكان في تلك الجبال بذور الأشجار والنباتات أخذت تنبت وتنمو وأصبحت بساتين فوق تلك الجبال ، قال الله تعالى في سورة الرعد(وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ) ، والمعنى (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ) ليست من الأرض 2 سقطت عليها فصارت جبال (مُّتَجَاوِرَاتٌ) جاور بعضها بعضاً (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ) أي بساتين من أعناب ، يعني من فواكه . ولَمّا نمت النباتات والأشجار على تلك الجبال خلق الله تعالى عليها طيوراً وأنعاماً وخلق آدم وحوّاء فوق جبل من تلك الجبال .
----------------------------------------------
1[والمؤلّف أوّل من فرّق بين تحريم الاقتراب منها وبين الأكل منها كما زعم أكثر المفسّرين ، ولو كانت الشجرة محرّم أكلها لَضلّ ذلك حتّى اليوم ، فالبرّ والتفّاح من أعمدة الحياة وضرورات الغذاء ، والتفّاح من أهمّ الفواكه وأكثرها احتواءً على الحديد ، فلا يعقل تحريمهما ، لكن شجرة العلّيق مِمّا يحذر الاقتراب منها حتّى هذا الزمن – المراجع ]
2[قال المراجع : أثبت علم الجيولوجيا أنّ جبال همالايا ليست من أرضنا , بل أنّها رست عليها بعد أن كانت تدور حول الأرض . ]
36 – (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا) أي فأذهبهما الشيطان عن تلك الجنة وأبعدهما بوسوسته وإغوائه (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) من النعم لأنّهما أكلا من تلك الشجرة وهو توت العلّيق (وَ) عصيا ربّهما (قُلْنَا اهْبِطُواْ ) من الجبل إلى الأرض المستوية ، يعني آدم وحوّاء والأنعام والطيور التي كانت في تلك الجنة كلّهم نزلوا إلى الأرض (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يعني جعلنا بينكم عداوة جزاءً لِعصيانكم أمر ربّكم ، فصار إبليس عدوّاً لآدم وأولاده ، وصار آدم عدوّاً لإبليس ، فصار أولاد آدم بعضهم يعادي بعضاً (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي راحة وسكون (وَمَتَاعٌ) من المأكل والملبس والأثاث وكلّ شيء يتمتّع به الإنسان (إِلَى حِينٍ) أي إلى يوم القيامة ، لأنّ الأرض تتمزّق في ذلك اليوم فتخرج النفوس منها وتنتشر في الفضاء . القصّة : لَمّا أكل آدم من تلك الشجرة أخذت الينابيع تجفّ لأنّها شقّت طريقاً من أسفل الجبل وصارت تجري على الأرض ، ولَمّا جفّت المياه فوق الجبل يبست الأشجار ونفدت الثمار فلم يبقَ في تلك البستان ما يعيشون عليه فشكَوا إلى ربّهم فأوحى إليهم أن اهبطوا إلى الأرض المستوية ، فقالا ربّنا نخاف أن لا نجد عليها ما نأكل ونشرب ، فأخذ سبحانه يحثّهم على النزول فقال تجدون فيها ما تأكلون وتشربون ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حين . وأراد سبحانه أن يفرّقهم في الأرض كي ينتشروا فيها ويتكاثروا .37 – (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) نزل بِها جبرائيل فعلّمه إيّاها فدعا بِها آدم وهي : "اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فارحمني إنّك أنت أرحم الراحمين ، اللهمّ لا إلاه إلاّ أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فتبْ عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم ."(فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) لِمن عمل سيّئة بجهالة ثمّ تاب في مدّة قريبة (الرَّحِيمُ ) بعباده التائبين النادمين .
انتهى
تعليق : بعد ان علمنا ان الله خلق ادم في جنة من جنان الارض فهمنا كيف استطاع ابليس اغواء ادم اي ان الله تعالى طرده من جنة السماوات فذهب الى ادم الذي هو على جنة الارض واستطاع اغوائه .