تفسير الآية الكريمة : ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ غ– وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
من كتاب المتشابه من القرآن بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) البصر عين الروح وجمعه أبصار ، والمعنى لا تراه الأرواح بأبصارها ولا الأجسام بعيونِها (وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) أي يراها ويدرك خيانتها ، ومثله قوله تعالى في سورة غافر{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} والمعنى أنّ الله تعالى يرى مخلوقاته وهي لا تراه ، ونظيرها قوله تعالى في سورة الأنعام {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} (وَهُوَ اللَّطِيفُ) بعباده (الْخَبِيرُ) في خلقه .وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المؤمنين يرَون الله يوم القيامة واستشهدوا بقوله تعالى في سورة القيامة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
أقول ليس المقصود من كلمة {نَاظِرَةٌ} هو النظر إلى وجه الله تعالى بل المقصود منها الانتظار ، والمعنى إلى جزاء أعمالها منتظرة ، وكذلك قوله تعالى في الزمر {فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} ، أي ينتظرون جزاء أعمالهم ، وهذا في بادئ الأمر من يوم القيامة ، ثمّ يدخل المؤمنون الجنّة ويتنعّمون بنعيمها فحينئذٍ ينطبق فيهم قوله تعالى في سورة الغاشية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ . لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} . فكلمة ينظرون معناها ينتظرون ،والشاهد على ذلك قوله تعالىفي سورة الأعراف حاكياً عن إبليس {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، أي أمهلني .
فلو تراه العيون لرآه موسى بن عمران لَمّا أغراه قومه فقال ربِّ أرني أنظرْ إليك قال لن تراني . ولو تراه الأبصار لرآه حبيبه محمّد لَمّا عرِج به إلى السماء ، فمن قال بذلك فهو آثم .