سؤال2 : فما هي المادّة وما هو الأثير ؟المادّة والأثير
جواب : المادّة كلّ شيء نراه بأعيننا أو نلمسه بأيدينا ، وذلك كالجماد والنبات والحيوان والإنسان وغير ذلك مِمّا تراه العيون أو تلمسه الأيدي ، والمادة لا تدوم على حالتها فهي صائرة إلى الخراب والزوال، ولولا المخلوقات المادية لَما تكوّنت المخلوقات الأثيرية لأنّ الماديات هي قوالب لتكوين الأثيريات . قال الله تعالى في سورة الطور {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} فكلمة "شيء" يريد بِها المادة ، وذلك كقوله تعالى في سورة القصص {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } يعني كلّ مادة تتمزّق وتتلاشى ، وقوله أيضاً في سورة الذاريات {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يعني من كلّ نوع من المخلوقات المادية خلقنا زوجين ، أي ذكراً وأنثى ، فقوله تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} يعني هل تكوّنت نفوس هؤلاء الملحدين بغير أجسام مادية فيقولون أنّ الأثير موجود في الفضاء من الأزل وأنّ نفوسنا تكوّنت من الأثير لا مكوّن لّها ؛ نعم تكوّنت من الأثير ولكن من خلق الأجسام التي تكوّنت فيها نفوسهم ؟ أليس الله خلقها وكوّن نفوسهم فيها ؟ {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لتلك الأجسام ؟ كلاّ فإنّ الله هو الذي خلقها وخلق السماوات والأرض ومن فيهنّ .
فالأثير يشبه الهواء ولكنّه غير الهواء لأنّ الهواء مادي والأثير نوع آخر ، وذرّات الأثير أدقّ من ذرّات الهواء : مثلاً إنّ الرمل يتخلّل الحصى لأنّه أدقّ منه ، والماء يتخلّل الرمل لأنّ ذرّات الماء أدقّ منه ، والماء يتخلّل الرمل لأنّ ذرّات الماء أدقّ من ذرّات الرمل . فالأثير يتخلّل الهواء لأنّ ذرّاته أدقّ من ذرّات الهواء . والأثير يملأ الفضاء . وذرّات الأثير إذا دخلت في شيء مادي وبقيت فيه زمناً فإنها تتماسك ولا تنفكّ بعد ذلك ، والأثير لا يفنى ولا يتمزّق ولا يتهدّم ولا يطرأ عليه أيّ عارض ، فإن كنّا قد نشأنا في علم مادي فانٍ فسننتقل عن قريب إلى عالمٍ أثيريٍّ باقٍ لا فناء له ، ويكون ذلك عند موتنا أي عند انفصال نفوسنا عن الأجسام ؛ فكما لنا في الدنيا متاع وأثاث من المادّيات كذلك في عالم الأثير لنا متاع وأثاث من الأثير ، ولكنّ الفرق بين الاثنين هو أنّ الذي في الدنيا فانٍ لا بقاء له لأنّه مادّي ، ولكنّ الذي ننتقل إليه باقٍ لا يفنى لأنّه أثيري . وكما لنا دور وقصور في الدنيا من المادّة ، كذلك في عالم الأثير لنا دور وقصور ، ولكنّ الفرق بينهما أنّ دورنا تتهدّم لأنّها من المادّة ولكنّ التي في عالم الأثير باقية إلى الأبد لا تتهدّم لأنّها أثيرية . وكما لنا في الدنيا نبات وأشجار ، كذلك في الآخرة لنا نبات وأشجار وأثمار أثيرية .
والخلاصة أنّ كلّ شيء مادّي فهو يتمزّق ويزول ولكن كلّ أثيري باقٍ لا يفنى ولا يزول . قال الله تعالى في سورة النحل {ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ و ما عِنْدَ اللهِ باقٍ} ، وقال تعالى في سورة الأعلى {بَلْ تُؤثِرُونَ الحياةَ الدُّنْيا و الآخِرَةُ خَيْرٌ و أبْقَى} ، وقال تعالى في سورة شورى {فَما أوتِيتُمْ مِنْ شَيءٍ فَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا ، و ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ و أبْقَى لِلّذِينَ آمَنُوا و على ربِّهِمْ يَتَوَكّلُون .}