ما هو الموت
ليس الموت الذي نعرفه هو زوال الإنسان من الوجود ، ولكنّ الموت هو انفصال النفس عن الجسم أي انفصال الهيكل الأثيري عن الهيكل المادي . وبعبارة أخرى أقول إنّ الموت ولادة ثانية للإنسان أي هو ولادة النفس من الجسم ، فالنفس مولود والجسم والد ، فإذا ولدت النفس من الجسم فالجسم يفنى بعد ذلك ويكون تراباً ، أمّا النفس فهي باقية لا تفنى ولا تزول وهي الإنسان الحقيقي ، وقد جاء في الحديث عن النبي (ع) أنه قال : "ليس للإنسان زوال ، بل نقلٌ وانتقال من دارٍ إلى دار ." ، فالإنسان إذاً لا يموت وإنما الموت للأجسام المادّية فقط ، وقد قال أبو العلاء المعرّي في ذلك :
خُلِـقَ الـنَّـاسُ للبَقَـاءِ فضَلّـتْ أُمّــةٌ يَحْسَبُـونَهُـمْ للنّفــادِ
إنّمـا يُنْقَلُـونَ مِـنْ دَارِ أعْمَـالٍ إلَـى دارِ شِـقْـوَةٍ أو رَشَــادِ
وقال الله تعالى في سورة البقرة {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} ، وقال عزّ من قائل في سورة آل عمران {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فالإنسان إذاً لا يموت وإنّما الموت للأجسام فقط . وجاء في إنجيل متى في الإصحاح العاشر قال المسيح لتلاميذه : "ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكنّ النفس لا يقدرون أن يقتلوها ."

سؤال 4: قال الله تعالى في سورة الملك {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} ، فما معنى قوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ} ، فهل الموت شيء مادّي فخلقه الله تعالى أم هو عارض ؟
جواب : الموت هنا يريد به الجماد ، كقوله تعالى في سورة البقرة {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ...الخ} ، ومعناه : كنتم جماداً فجعلكم أحياءً تسمعون وتبصرون ، وذلك لأنّ الإنسان كان جماداً في أوّل أمره ؛ فقد خلق الله تعالى أبانا آدم من الطين ، أمّا أولاده فمن مركّبات وعناصر أرضية كالصوديوم والبوتاسيوم والكلس والكبريت والكاربون والفسفور وغير ذلك ، فامتصّتها الأشجار والنباتات من الأرض فأصبح فاكهة في الأشجار أو حباً في السنبلة ، فلمّا أكلها الإنسان صارت في صلبه ماءً ، ثمّ انتقل ذلك الماء إلى رحم المرأة فصار في رحمها طفلاً ، فهذا معنى قوله تعالى {كُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} أي كنتم جماداً فجعلكم أحياءً ، وقال تعالى أيضاً في سورة الأنعام {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ...الخ} ، و قال تعالى في سورة النحل {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ، فقوله تعالى {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء} يعني الأصنام التي يعبدونها هي جمادٌ لا حياة فيها.
فقوله تعالى{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} بعني خلق الجماد والحياة ، ولذلك قدّم كلمة "موت" على "الحياة" لأنّه تعالى خلق الجماد قبل الحياة . أمّا خلقة الحياة فهو مفهوم لأنّ منشأ الحياة من حجيرات حية نامية وإنّ الله تعالى خلق تلك الحجيرات وخلق كلّ شيء .


من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964