يكون سبب موت الإنسان على قسمين :ما هو سبب الموت
أوّلاً : عوارض الطبيعة ، وذلك كالغرق والحرق والقتل وسقوط جدار على الإنسان وغير ذلك ، فيموت الإنسان حينئذٍ أي تنفصل النفس عن الجسم فيصبح الجسم عاجزاً عن حفظ النفس وذلك لِما أصابه من خلل ، وفي هذه العوارض لا يحضر ملَك الموت لقبض النفوس .
أمّا القسم الثاني وهم الذين يمرضون ثمّ يموتون أو يموتون بلا مرض ، فهؤلاء يحضر عندهم ملَك الموت فيخرج نفوسهم من أجسامهم ، فمثل ملَك الموت كمثل القابلة التي تخرج الطفل من بطن أمه كذلك ملَك الموت يخرج النفوس من الأجسام ، فإذا جاء ملَك الموت إلى المستحضر أخذ يؤكسد السائل الحيوي الذي في جسم الإنسان فتنفصل النفس حينئذٍ عن الجسد ولا يبقى لَها اتصال ، وذلك لأنّ السائل الحيوي هو السبب في اتصال النفوس بالأجسام . قال الله تعالى في سورة الأنعام {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} ، فقوله تعالى{وَلَوْ تَرَى} معناه : ولو ترى يا محمّد حال الظالمين حين ينزل بِهم الموت وهناك الملائكة باسطو أيديهم إلى المستحضرين يؤكسدون السائل الحيوي الذي في أجسامهم يقولون لَهم : أخرجوا أنفسكم من أجسامكم {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ...الخ} ، وقال تعالى في سورة الأنعام{حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} أي لا يقصّرون في حقّه فإن كان محسناً عاملوه بالإحسان وإن كان مسيئاً عاملوه بالترك والنسيان ، فإذا تركوه وانصرفوا عنه حينئذٍ تأتي إليه الشياطين والجنّ والنفوس الشرّيرة فيؤذونه ويسجنونه ويسخرون منه فيريد أن يتخلّص منهم فلا يتمكّن ، فقوله تعالى {وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} يعني : لا يقصّرون في حقّه ، كقوله تعالى في سورة يوسف {وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ...الخ} والمعنى : ما قصّرتم في حقّ يوسف . وقال تعالى في سورة الواقعة {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ . وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ . فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فقوله تعالى {إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} يعني : إذا بلغت النفس إلى الحنجرة {وَأَنتُمْ } أيها الحاضرون {حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } إلى المستحضر كيف يعالج سكرات الموت {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } يعني : رسلنا أقرب إليه منكم وهم الملائكة الذين يقبضون نفسه {وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ } لكونِهم أثيريين وأنتم مادّيون ، وقال تعالى في سورة القيامة {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ . وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ . وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ . وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } ، فقوله تعالى {إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ } يعني : إذا بلغت النفس إلى الترقوة ، وهي عظام الرقبة {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} يعني : حينئذٍ يقال هل من طبيبٍ راقٍ يداويه ويشافيه .
من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964