إنّ ملائكة الموت هما رقيبٌ عتيد ، فهما اللذان يكتبان حسنات الإنسان ويحصيان عليه سيئاته ؛ قال الله تعالى في سورة الأنعام {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} ، فقوله تعالى {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} يعني الحفظة تتوفّاه وهم الذين أرسلهم من قوله {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} ، وأمّا قوله {لاَ يُفَرِّطُونَ}يعني لا يقصّرون في حقه إن كان محسناً عاملوه بالإحسان وإن كان مسيئاً عاملوه بالترك والنسيان . وقال تعالى في سورة الأعراف {حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ...الخ} ، فقوله تعالى {جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا} يعني الذين أرسلهم للإنسان يحفظون عليه سيئاته ويكتبون حسناته وهم رقيبٌ عتيد . وقال تعالى في سورة السجدة {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}، فقوله تعالى {وُكِّلَ بِكُمْ } يعني وكيل عليكم يكتب أعمالكم ويحفظ عليكم سيئاتكم . وقال تعالى في سورة الأنبياء {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ، فالملائكة التي تتلقّاهميوم القيامة هم الحفظة وهم رقيبٌ عتيد . وقال تعالى في سورة السجدة {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} ، فقوله تعالى {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } يعني الملائكة تقول لهم نحن كنا نتولّى أموركم في الحياة الدنيا ونراقبكم ، وفي الآخرة أيضاً كنا معكم ، أي في العالم الأثيري ، فكنا نتولّى أموركم ونرشدكم إلى ما فيه صلاحكم ونحرسكم من الجن والشياطين ، واليوم أتينا نتلقّاكم "وهو يوم القيامة" ونبشّركم بدخول الجنة ونأخذكم إليها .مَلَك الموت
فرقيبٌ عتيد هم مع الإنسان في دار الدنيا يكتبون أعماله ، وهما اللذان يقبضان نفسه عند الموت ، وهما اللذان يؤنسانه بعد الموت ويتولّيان أموره "إن كان الشخص من الصالحين" وهما اللذان يتلقّيانه يوم القيامة ويبشّرانه بدخول الجنة ثمّ يأخذانه إليها إن كان من الصالحين . قال الله تعالى في سورة ق {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ، "فالسائق" هو الذي يسوقها إلى الجنة أو إلى النار ، و"الشهيد" هو الذي يشهد عليها بما عملت في دار الدنيا من خير أو شرّ ، فالسائق والشهيد هما رقيبٌ عتيد . وقال تعالى أيضاً في نفس السورة {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}، فالخطاب في قوله {أَلْقِيَا} يعود إلى رقيب عتيد .
من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964