ذكرنا فيما سبق أنّ الموت هو انفصال النفس عن الجسم ، وهنا نذكر عن مصير كلٍّ منهما بعد الموت ، فنبتدئ أولاً عن البحث في الأجسام فنقول :الأجسام بعد الموت
إنّ الجسم عند انفصال النفس عنه وتأكسد السائل الحيوي كما تقدّم بيانه يبقى مادّة عضوية لا حياة فيها فيكون حينئذٍ عرضة للتفسّخ والتعفّن والتلف ، فيبقى بلا سمع ولا بصر ولا فؤاد ،فهو كالخشبة الممدّدة لا يشعر بألم ولا بلذّة ولا يفهم ولا يعي ، فإذا دُفِن في القبر أخذ يتفسّخ حتّى يكون تراباً بعد مدّة من الزمن ، والجسم لا يكون عليه حساب ولا عقاب ولا نعيم ، وإنّما الحساب والعقاب والنعيم يكون للنفس خاصةً لأنّ النفس هي الإنسان الحقيقي ، وما الجسم إلاّ غلاف للنفس ، ومن قال إنّ النفس ترجع إلى الجسم في القبر ويُحاسَب الميّت ثمّ تخرج منه النفس ثانيةً ، فهذه أقوال لا صحة لَها ، وقد قال الله تعالى في سورة الصافّات عن لسان أهل الجنة {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ، فأخبر سبحانه بأنّ الموتة واحدة لا موتتان . وقال تعالى في سورة الدخان {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}.
سؤال7 : إذا كان كما تقول ، إذاً فما معنى قوله تعالى في سورة المؤمن {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} ؟
جواب: يكون هذا القول منهم يوم القيامة لا في القبر وذلك حين دخولهم في النار يقولون {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} ، فالموتة واحدة وإنما قال {اثْنَتَيْنِ}، لأنّهم كانوا أمواتاً فأحياهم ، أي كانوا جماداً فأحياهم ، وذلك كقوله تعالى في سورة البقرة {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ...الخ} والمعنى : كنتم جماداً فجعلكم أحياءً ، وأمّا الحياة فهي حياتان : الأولى هي الحياة المادّية في الدنيا ، والثانية هي الحياة الأثيرية في الآخرة . وليس للأجسام حياة بعد موتِها .
من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964