صفاتها
إنّ المخلوقات الروحانية بأجمعها لا تراها البشر ولا غيرهم من الماديين إلاّ إذا هم أرادوا أن يرُونا أنفسهم فحينئذٍ نراهم . أمّا النفوس فلا نراها ولا يمكنها أن ترينا أنفسها إلاّ في المنام فقط ، والمخلوقات الروحانية يرى بعضها بعضاً . قال الله تعالى في سورة التوبة {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ...الخ} فالجنود يريد بِها الملائكة . وقال تعالى في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ...الخ} . وقال الله تعالى في سورة الأعراف تحذيراً من الشيطان {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} ومعناه : إنّ الشيطان يراكم هو ومن شاكَلَه من المخلوقات الروحانية من حيث لا ترَونَهم ، والميم للجمع . وأمّا قوله تعالى في سورة الفرقان {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ...الخ} فهذا يكون في عالم البرزخ وفي القيامة أي بعد الموت يرى الإنسان الملائكة لأنه أصبح روحانياً مثلهم .
أمّا كلامهم لنا فهو بالوحي أي يرسل الشخص منهم الكلام إلى ذهن من أراد مخاطبته من المادّيين فيفهمه ، وهذا يسمّى "وحي" . أمّا كلامهم فيما بينهم فهو كما نتكلّم نحن فيما بيننا ولكن يكون بالهمس أي لا صوت له يسمعه المادّيون ، ولكنّ الملائكة والجنّ يمكنها أن تتكلّم بكلامٍ له صوت ، أمّا النفوس البشرية فلا يمكنها ذلك بل يكون كلامهم لنا بالوحي . والوحي هو إرسال الكلام من شخص إلى شخص آخر يفهمه به بلا صوت ، قال الله تعالى في سورة هود {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ...الخ} ، وقال تعالى في سورة الأنعام {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
ولنذكر كلاً من المخلوقات الروحانية على حدة ، والله الموفّق للصواب .

من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964