الجنّ من المخلوقات الروحانية ولكنّها لا تشابه الملائكة في كونِها أثيرية ولا تشابه النفوس في ذلك ، لأنّ الجنّ خُلِقَت أجسامها من الغازات ونفوسها من الأثير ، فالغازات تعدّ من المادة ، فالجنّ إذاً هي مخلوقات مادية ولكنّها روحانية لأنه يمكنها أن تختفي عنّا ويمكنها أن ترينا أجسامها ، ويمكنها أن تمشي على الأرض ويمكنها أن تصعد في السماء بلا جناح ، وذلك لأنّ أجسامها خفيفة كالهواء ، ويمكنها أن تُسمعنا أصواتها .الجنّ
والجنّ أطول أعماراً من البشر فهم يعيشون مئات السنين ، والجنّ تشبه البشر في أكثر صفاتها حيث أنّها تأكل وتشرب وتجامع أزواجها وتتناسل وتنام وتموت ... إلى غير ذلك من صفات البشر ، بينما النفوس والملائكة لا تنام ولا تموت ولا تتناسل ، و الجنّ يمكنها نقل الأشياء المادية بينما النفوس لا يمكنها ذلك ، فالجنّ تخالف النفوس والملائكة من هذه الوجهة وتخالف البشر من الوجهة الأخرى لأنّ البشر لا يمكنها أن تختفي عن الأنظار ولا يمكنها أن تصعد في السماء ولا غير ذلك مِمّا اختصّت به الجنّ .
و الجنّ تسكن الطبقات الغازية كما أنّ الملائكة تسكن الطبقات الأثيرية التي سبق الكلام عنها في كتابنا (الكون والقرآن) وبعضهم يسكن في الأرض وذلك في الخرائب والكهوف والمحلاّت التي لم تُسكَن . و الجنّ يكون أكلهم شيئاً غازياً مناسباً لهم وكذلك لباسهم ومتاعهم وبيوتهم كلّها من الغازات ، كما أنّ بيوت الملائكة من الأثير ، وبيوت البشر من المادّة . قال الله تعالى في سورة الرحمن {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ . وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} والمعنى : وخلق الجانّ من غازات خرجت من النار ، يقال "مرج من الطريق" أي خرج منه ، ويقال «مرج السهم من القوس» أي خرج وذهب ، ولا تزال هذه الكلمة متداولة عند العرب بالأخص البدو ولكنهم أبدلوا الجيم بالگاف يقولون «أمرگ" ومعناه إذهب ، فقوله تعالى {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} يعني خلق الجانّ من غازات خرجت من النار . وقال تعالى في سورة الحجر{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} يعني خلقها من سموم النار ، والسموم يريد بِها الغازات .
فالجنّ وإن كانت مخلوقات روحانية ولكن يمكنها أن ترينا أنفسَها وتُسمِعنا أصواتَها ، كما أنّ الغازات يمكن تحويلها من غاز إلى سائل ثمّ إلى جامد يُلمَس باليد ويُرى بالعين ، ثمّ تحويل ذلك الجامد أو السائل إلى غاز لا يُرى بالعين ولا يُلمَس باليد ، وإليك بعض الأمثلة عن ذلك :
إنّ غاز ثاني أوكسيد الكبريت يتحوّل إلى سائل إذا أُمرر في أنبوبة مبرّدة إلى درجة -10م أو باستعمال ضغط قدره ستة ضغوط جوّية في درجة الحرارة الاعتيادية ، وتجمّد في درجة -76 م إلى مادة صلبة بيضاء تشبه الجليد ، فثاني أوكسي الكبريت تارة يكون غازاً وتارةً يكون سائلاً فالسائل منه والغاز يكونان عديمي اللون بينما الجامد منه يكون أبيض .
وإنّ غاز الأمونيا يتحوّل إلى سائل عديم اللون باستعمال ضغط قدره [ 5‚8 ضغوط جوية في درجات الحرارة الاعتيادية] ، ثمّ إذا أغلي السائل عاد غازاً ثانيةً ، ويمكن تحويل الغاز إلى سائل وإرجاعه إلى غاز مراراً عديدة ومن هذه الخواص يستفاد في صناعة الثلج .
وإنّ اليود بتسخينه يتحوّل إلى غاز أحمر وردي وعند تبريد الغاز يعود إلى مادة صلبة بنية اللون ، ويمكن تحويلها إلى غاز ثمّ تحويل الغاز إلى صلب وتكرار هذه العملية عدّة مرّات .
وإنّ الزيبق يتحوّل إلى بخار عديم اللون عند التسخين ، ثمّ يعود كما كان عند التبريد ، ويتجمّد الزيبق بالبرودة بدرجة [ - 9‚ 38 أو بضغطٍ قدره 6 ‚ 7 ضغط جوّي .]
وإنّ الأوكسجين غاز عديم اللون فإذا ضُغِط في درجة - 119° م تحوّل إلى سائل ذي لون أزرق .
وهكذا تتغيّر الغازات بالبرودة والحرارة فتارةً تكون سوائل وأخرى تكون جوامد وأخرى تكون غازات لا تُرى بالعين ولا تُلمَس باليد ، فكذلك الجنّ يمكنها أن تختفي عن أنظارنا ويمكنها أن تُرينا أجسامها ويمكنها أن ترتفع في السماء ويمكنها أن تنزل في الأرض .
من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964