الحساب والجزاء

يقول بعض الناس أنّ الحساب يكون في القبر وذلك بأن يأتي الملكان وهما (منكر ونكير ) يحاسبان الميت ويسألانه عن ربه ودينه ونبيه وعن غير ذلك .
وأقول ليس في عالم البرزخ حساب ولا منكر ولا نكير ، وإنّما الحساب والمحاكمة ودخول الجنة ودخول جهنّم كلّ ذلك يكون يوم القيامة ,
والدليل على ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فبيّن سبحانه أنّ الحكم يكون بينهم يوم القيامة ، ولم يقل إن الله يحكم بينهم في القبر أو عند الموت .
وقال تعالى في سورة آل عمران {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} ،
وقال تعالى في سورة الروم {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} فبين سبحانه أن التفرقة بين المؤمنين والكافرين تكون يوم القيامة , فالمؤمنون في روضة يحبرون , والكافرون في العذاب محضرون .
وقال تعالى في سورة يس {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} ، فبيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكافرين إذا صار يوم القيامة وخرجوا من قبورهم حينئذٍ يقولون {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.
وقال تعالى في سورة ابراهيم { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءفبيّن سبحانه أنّه ليس بغافلٍ عمّا يعمل الظالمون ولكنّه تعالى يؤخّرهم ليوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم .
وقال تعالى أيضا في نفس السورة {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} ، فقوله {يَوْمَئِذٍ} يعني يوم القيامة .
وقال تعالى في سورة النحل {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فبيّن سبحانه وتعالى أنه يوم القيامة يتبيّن لهم الحقّ من الباطل بما اختلفوا فيه في دار الدنيا , فلو كان في القبر حساب لبيّن لهم ذلك في القبر .وقال في سورة طه {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ الأَصْفَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا . خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}.

وقال تعالى في سورة الانبياء {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} فالموازين هي قوانيين الحكم .
وقال تعالى في سورة الزمر {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فبيّن سبحانه أنّ المخاصمة تكون يوم القيامة .
وقال تعالى في سورة الحج {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
وقال أيضاً [في نفس السورة]{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} ،
وقال تعالى في سورة العنكبوت {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}


سؤال 11 :أنت تقول لا يدخل الإنسان الجنّة ولا النار إلاّ يوم القيامة إذاً فما معنى قوله تعالى في سورةي س {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}
وقال تعالى في سورة نوح {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا} ؟

الجواب :إن دخول الجنة والنار في عالم البرزخ هو خصوصي لا عمومياً ,أما الجنة فلا يدخلها في عالم البرزخ إلا الأنبياء والاولياء وبعض الشهداء . وكذلك دخول النار هو خاصّ لكل أُمة كذّبت رسولها مواجهة ، وأما الذين لم يأتهم نبي ّ فهؤلاء لا يدخلون النار في عالم البرزخ بل يكون ذلك يوم القيامةّ لأنهم لم يشاهدوا النبي بأعينهم بل نقل لهم عنه آباؤهم ، ثانياً إنّ النار التي يدخلها الكافرون في عالم البرزخ ليست هي جهنّم التي يدخلونها يوم القيامة بل هيالطبقات الغازية وسنان الشمس

من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القران محمد علي حسن الحلي الطبعة الثانية مطبعة المعارف- بغداد 1964