الرؤيا
إنّ الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه تكون على قسمين :الأولى – هي الرؤيا الفكرية وتسمّى (أضغاث) وهي ناتجة من الأفكار والأماني والخوف وغير ذلك ، فكلّ شيء يراه الإنسان في اليقظة ويبقى يفكّر به يراه ليلاً في المنام ،وأمّا الثانية – فتسمّى (الرؤيا الروحانية) وهي ناتجة عن المخلوقات الروحانية ، فإنّ الروحانيين يأتون للإنسان وهو نائم فيرونه ما أرادوا ، لأنّ أسهل طريقة للاتصال بين المخلوقات الروحانية وبين الإنسان هي الرؤيا ، وذلك لأنّ الإنسان إذا نام وكان نومه اتصالياً فيكون قريباً من الروحانيين ، وإذا كان نومه انفصالياً فيكون روحانياً مثلهم ، فحينئذٍ يمكنه أن يرى المخلوقات الروحانية ويكلّمها ويسمع منها الجواب . والمخلوقات الروحانية يمكنها أن تتصرّف في الرؤيا بالنفوس فتريها أشياء لا يمكنها أن تعملها في اليقظة وعادات لم تتعوّد عليها في الانتباه ، مثلاً أنّ رجلاً جباناً في اليقظة فيرى في نومه بيده سيفاً وهو يحارب ويقاتل بين الأعداء ولا يرهب أحداً ، أو يكون في اليقظة شجاعاً فيرى في نومه أنه جبان قد أخذوه أسيراً ولا يمكنه أن يتخلّص من أعدائه ، أو يرى في المنام أنه صار فقيراً وهو يسأل من الناس ولا أحد يعطيه شيئاً ولكنه في اليقظة أبيّ النفس غنيّ حتّى أنه لا يقبل هدية من أحد ، أو يرى في منامه أنه يشرب الخمر ويزني ويسرق ولكنه في اليقظة رجل صالح لا يجترئ على المحرّمات ، وما هذه الرؤيا التي هي بعكس ما تعوّد عليه الإنسان في اليقظة إلاّ من الروحانيين وتسلّطهم على نفس الإنسان بالرؤيا . والرؤيا الروحانية تنقسم إلى قسمين :الأولى : هي الرؤيا الكاذبة وهي ما كانت من النفوس الشرّيرة والجن والشياطين . أمّا الثانية وهي الرؤيا الصادقةفهي ما كانت من النفوس الصالحة والملائكة . وكثير من الناس يرى أحد أقربائه الأموات فيخبره بأشياء لا يعلمها فتكون كما أخبره بِها ، وإليك نادرة نذكرها بمقام شاهد نقلاً عن كتاب الأرواح للشيخ طنطاوي قال: "نشرت إحدى المجلاّت العلمية : "ومن ذلك ما رواه الدكتور (دي سرمين) أنه رأى ذات ليلة أنّ ولده الذي كان يحبّه وقع في نار ملتهبة واحترق ، وكانت الرؤيا واضحة جداً حتّى انزعج الدكتور فنهض من نومه مذعوراً وذهب إلى حيث كان ولده مستغرقاً في سباتٍ هنيء ، وفي اليوم التالي بقي تأثير الرؤيا عالقاً به حتّى أنه أخذ يراقب ولده كمن يحاول أن يردّ عنه الشرّ ثمّ يفحص جسمه بكلّ دقة فوجده صحيح البنية لا يشكو علّة ، ولكنّ الولد أصيب في اليوم الذي بعده بالتهاب الرئة الحاد وتوفّي بعد بضعة أيام . ومن هذا القبيل ما وقع لامرأة عجوز من أهالي مدينة فيلادلفيا بأمريكا منذ سبع سنوات فإنّها رأت إنّ ابنها سقط بين عجلات الترامواي وقُتِل ، فنهضت المرأة من نومها مذعورة ولَمّا علمتْ أنّ ما رأته لم يكن حقيقياً بل هي رؤيا ، عادت فنامت ثانية ولكنّها رأت مرةً أخرى بأنّ الترامواي قد قتل ابنها وكانت الرؤيا جلية جداً ولَمّا صار الصباح ركبت في القطار وذهبت إلى نيويورك حيث كان ابنها يسكن ، وما كادت تخرج من محطة نيويورك وتجتاز أحد الشوارع حتّى أبصرت جمهوراً من الناس مجتمعين حول رجلٍ ميّت قد دهسه الترامواي وكان ذلك الرجل ابنها وهو المستر وليم كوبر من كبار أغنياء الأمريكيّين وقد شهد الكثيرون بصحة ما روَته أمه إذ أطلَعت الكثيرين على رؤياها قبل أن تسافر من فيلادلفيا إلى نيويورك ، ومن جملة الذين شهدوا بذلك العلاّمة "كاميل فلامريون" . ويروى عن أدوين ريد العالم الطبيعي الشهير أنه رأى ذات ليلة في منامه أنه كان سائراً في أحد الشوارع فأبصر صليباً من الصلبان التي يضعها المسيحيّون على قبورهم وينقشون عليها تاريخ أمواتِهم ورأى على ذلك الصليب إسمه منقوشاً كما يلي : "إدوين ريد توفّي في 7 نوفمبر سنة 1910" ، وقد قصّ هذا العالم رؤياه على جمهور من أصدقائه وهو يضحك ، وفي 7 نوفمبر سنة 1910 توفّي . ومن هذا القبيل أنّ ضابطاً أمريكياً يدعى الكابتن "مكجون" قد عزم ذات يوم هو وولداه إلى مسرح "بركلين" بنيويورك فطلب من إدارة المسرح أن تحجز له ثلاثة كراسي ، وفي الليلة السابقة لذهابه إلى المسرح رأى في المنام أنّ ناراً عظيمة قد شبّت والتهَمَت المسرح فهلك فيها ثلاثمائة نفس ، وكانت الرؤيا جليّة جداً حتّى أنّ الرجل هبّ من نومه مذعوراً وفرائصه ترتعد ، وفي صباح اليوم التالي أخبر إدارة المسرح بأنه قد عدل عن الذهاب هو وولداه ، وفي تلك الليلة عينها شبّت نار هائلة التهمَت المسرح كله وهلك بالنار ثلاثمائة نفس بين رجال ونساء . هذا ما جاء في المجلّة ." وأمّا الذي شاهدته أنا بعيني وسمعته بأذني : أنّ امرأةً في كربلاء لَها طفل رضيع عمره سنة واحدة فرأت في المنام أنّ ابنها سقط من سطح الدار إلى أسفلِها ومات ، فانتبهَت مرعوبة ولَمّا أصبح الصباح وارتفع النهار نسِيَتْ ما رأته في المنام وأخذَت ولدها وصعدت به إلى السطح لتستدفئ بحرارة الشمس لأنّ الوقت كان شتاءً ولم يكن للسطح حاجز (دايِر) ، فأخذ الطفل يلعب ويزحف حتّى صار على حافّة السطح فلَمّا التفتَت إليه أمّه وإذا هو في محلّ خطِر فقالت في نفسِها إنْ ركضتُ خلفه فرّ منّي وهوى إلى أسفل الدار ، فصارت تدعوه إليها ولكنّ الطفل لم يكترث بدعائها بل أخذ يلعب ويضحك ويزحف إلى الأمام حتّى سقط إلى أسفل الدار ومات من ساعته . والحادث الثاني : في سنة 1939 أنشئ جسر في الحلّة وكان من جملة العمّال الذين يشتغلون في تشييد ذلك الجسر رجل يسمّى (جواد الحمد) فأصبح ذات يوم مهموماً ولم يشتغل مع رفقائه فسألوه عن سبب تأخره عن العمل فقال : "إنّ رؤيا رأيتها أمس أزعجتني وأنا خائف من الاشتغال في هذا اليوم" ، فقالوا له : "وما الذي رأيت؟" ، قال : "رأيتُ كلباً التَقَم يدي اليمنى وكلّما حاولت أن أخلّص يدي من فمه لم أتمكّن حتّى قطعها فانتبَهتُ مرعوباً وإنّي خائف من هذه الرؤيا" . فقالوا له :"هذه أضغاث أحلام فلا تهتمّ لذلك واشتغل معنا" ، ولم يزالوا يلحّون عليه حتّى اشتغل معهم . وكانت هناك مطرقة كهربائية تضرب على العمد لتنزلها في الأرض ، فبينما كانت المطرقة مرتفعة وضع (جواد الحمد) يده على العمود الذي تحت المطرقة سهواً منه فنزلت المطرقة على يده فطحنت عظامها وخرّ مغشياً عليه فحملوه إلى المستشفى فأمر الطبيب بقطع يده فقطعوها . وكثيراً ما رأينا مثل هذا وسمعنا ولكن نكتفي بما ذكرناه .

من كتاب الانسان بعد الموت لمفسر القرآن المرحوم محمد علي حسن الحلي