التطوريون يزعمون – وعلى رأسهم داروين – أن هناك عوامل تؤدي إلى ظهور اختلافات طفيفة كثيرة ومتوالية على فترات كبيرة من السنين في الكائن الحي الواحد – مثل الطفرات والتهجين مثلا - , يقوم الانتخاب الطبيعي بانتقاء أفضل هذه التغييرات وإبقاءها في الكائن الحي واستبعاد غير النافع منها !! وهذا المفهوم كما نرى قد خلع على الانتخاب الطبيعي صفات الإنسان العاقل الذي ينظر في نتائج التجارب أو التهجين بعقله وعلمه : ليقوم بتحديد الضار منها أو النافع !! وهذا وحده كفيل بهدم الفكرة من الأساس لاختلاف مفهوم الطبيعة غير العاقلة والواعية عن الإنسان !
داروين نفسه لم يستطع إخفاء ذلك من كثرة ما عول عليه في كتابه أصل الأنواع فقال :
" من أجل الإيجاز ، فأنا أحيانا أتحدث عن الانتخاب الطبيعي كقوة ذكية وبنفس الطريقة التي يتحدث بها الفلكيون عن قوة الجاذبية في التأثير على الكواكب ، أو كما يتحدث الزراعيون عن رجل يصنع سلالاته المحلية بقوة اختياره " !!
والنص بالإنجليزية :
For brevity sake I sometimes speak of natural selection as an intelligent power in the same way as astronomers speak of the attraction of gravity as ruling the movements of the planets, or as agriculturists speak of man making domestic races by his power of selection
المصدر :
the Origin of Species P 6-7
حيث لكي يهرب داروين من لا عقلانية افتراضاته التي حاول أن يشرحها عن آلية الانتخاب الطبيعي ، فقد قام بتشبيهه بالرجل الذي يعمل على تحسين سلالاته الخاصة عن طريق اختياره وإبقائه على التغييرات العشوائية للطفرات أو التهجين في نفس الاتجاه الذي يحدده ويريده مسبقا – مثلا اتجاه زيادة اللحم في الحيوان أو زيادة قوته أو سرعته أو ريشه أو قدرته على الإنجاب أو البيض إلخ – ليصنع بذلك تغييرا ناجحا مفيدا له !
النص بالإنجليزية :
The key is man's power of accumulative selection: nature gives successive variations; man adds them up in certain directions useful to him
المصدر :
Ch1 : the Origin of Species
ولا شك أن ذلك هو اعتراف مبكر من داروين بفشل افتراضاته عن الانتخاب الطبيعي ! لأنه حتى لو تنازلنا معه جدلا في تشبيهاته التي خلعها على الانتخاب في جعله كالمزارعين الذين يعملون على تحسبن بعض صفات حيواناتهم الداجنة ، فنحن لم نرى أبدا مزارعين أو باحثين في التجارب والطفرات على الكائنات الحية استطاعوا يوما ما أن ينتجوا لنا عضوا جديدا لم يكن في الكائن الحي من قبل !! يعني استحالة مثلا أن يتم عمل طفرات صناعية في كائن زاحف ليخرج له جناح !!! أو تهجين كائنين زاحفين ليخرج في نسلهما كائن بجناح !!! بل عملية التهجين نفسها لها حدود لا تتخطاها بأي حال من الأحوال !! إذ كلما ابتعدت أنواع الأب والأم : صار النسل عقيما – مثل البغل العقيم الذي ينتج من تهجين الحصان والحمار – أو لا يتم التهجين أصلا – مثل محاولة تهجين حصان مع كلب مثلا !! –
يقول نورمان ماكبث في كتابه "إعادة محاكمة دارون" :
" إن جوهر المسألة ينحصر فيما إذا كانت الأجناس تتنوع بالفعل بلا حدود أم لا ؟!! إن الأجناس تبدو ثابتة , ولقد سمعنا جميعاً عن خيبة الأمل التي أصيب بها المربون الذين قاموا بعملهم حتى نقطة معينة لم يتجاوزوها ، ليجدوا عندها أن الحيوانات والنباتات تعود إلى النقطة التي بدؤوا منها ..! وبالرغم مما بذلوه من جهود مضنية طوال قرنين أو ثلاثة قرون من الزمان ، فلم يمكن الحصول على وردة زرقاء أو على شقائق نعمانية سوداء " !!
المصدر :
Norman Macbeth, Darwin Retried: An Appeal to Reason, Harvard Common Press, Boston, 1971, pp. 32-33.
فالأمر أعقد بكثير مما كان يظنه داروين بعلمه السطحي وبما كان مجهولا في وقته من أن كل صفة من صفات الكائن وكل عضو له تمثيل وراثي في الشريط النووي داخل خلاياه وبشيفرات غاية في الدقة ! وحتى الصفات البسيطة في كل كائن حي والتي لا يتخيل عاقل معها أن تكون سببا في التقاتل أو الصراع من أجل البقاء !!!..
(مثل ذيل الزرافة مثلا والذي جعل داروين لا يخفي تعجبه من كيف أبقاه الانتخاب الطبيعي حيث وظيفته مثل هش الحشرات لا تتعلق عليها حياة الكائن وبقائه ولا صراعه مع غيره ولا حتمية اصطفائه حتى !)
منقول من سلسة مقالات الرد على نظرية التطور
http://quran-ayat.com/huda/threads/9534