كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
5 - (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ) أي من محمّد ، والمعنى : إذا صار طريق المشركين على رسول الله ورأوه يثنُون أنفسهم لكيلا يراهم النبيّ فيكلّمهم ويدعوهم إلى الإسلام وينهاهم عن عبادة الأصنام لأنّهم يضجرون من كلامه ولا يقبلون دعوتهُ ، وكان بعضهم يغطّي رأسه بعباءته لئلّا يراه النبيّ فيكلّمهُ ، وذلك قوله تعالى (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ) أي يُغطّون رؤوسهم بثيابهم ، ومن ذلك قول قيس بن الملوّح :
وَإِنّي لَأَسْتَغْشِي وَما بِيَ نَعْسَةٌ لَعَلَّ خَيالاً مِنْكِ يَلْقَى خَيالِيَا
(يَعْلَمُ) الله (مَا يُسِرُّونَ) في أنفسهم من العداوة للنبيّ (وَمَا يُعْلِنُونَ ) من حربهِ وقتاله (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) أي عليم بالقلوب التي في الصدور . ونظير هذه الآية في سورة نوح قوله تعالى {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا } .
6 - وكان المشركون يجعلون من الحرث حصّة لأصنامهم ، فإذا دخلت دابّة من الأنعام في ذلك الزرع وأكلت منه أوقفوا تلك الدابّة للأصنام وحرّموا أكل لحمها عليهم ، فذمّهم الله تعالى على أفعالهم فقال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ) فالزرع هو أنبتهُ والدابّة هو خلقها فأكلت من الزرع الّذي أنبتهُ الله فلماذا تُحرّمون على أنفسكم لحمها وهيَ من الطيّبات ولو علِمَ الله فيها ما يُمرض لحرّمَ عليكم أكل لحمها فاللهُ يعلمُ ظاهرها وباطنها (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ) "المستقَرّ " هو بيت الأرحام تستقرُّ فيهِ النطفة فتكون جنيناً ، و"المستودَع" هو ثدي أمّها أودع الله فيه اللّبن لغذائها ، والمعنى : يعلمُ أينَ تكوّنت وأينَ نشأت وبأيّ لبنٍ تغذّت فلو علمَ في ذلك ما يُمرِضُ لحرّمها عليكم ولكن بيّن لكم الحلال من الأنعام والحرام منها (كُلٌّ) من الحلال والحرام ذكرناهُ (فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) أي في التوراة والقرآن .
7 - (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ) سبق تفسيرها في كتابي الكون والقرآن وفي سورة الرعد ، (لِيَبْلُوَكُمْ) أي ليختبركم (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) فيجازيه على قدر أعماله (وَلَئِن قُلْتَ ) لهم (إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ ) من أجسامكم (مِن بَعْدِ الْمَوْتِ ) أي تُبعث النفوس من أجسامها بعد موت الأجسام وتكون النفوس في قبضتنا فنحاسبها على أعمالها ونعاقبها على أفعالها (لَيَقُولَنَّ الّذينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) يعني ما هذه الأقوال إلاّ أوهام لا صِحّةَ لها .
8 - (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ ) يعني عن أهل مكّة لأنّها دار أمان (إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ ) يعني إلى اُمّةٍ مُتعدّدة في المذاهب مُتشقّقة في الآراء في زمن المهدي قبل أن تكون السُلطة في يدهِ ، وذلك بسبب كفرهم ونفاقهم وظُلمهم وعصيانهم أمرَ ربّهم . والعذاب هو عذاب الاستئصال من خسفٍ وزلزال وأعاصير وسيول جارفة ووباء مُهلك وحروب طاحنة . وقد وقعت جميعها في هذا العصر (لَّيَقُولُنَّ) المعاندون (مَا يَحْبِسُهُ ) يعني أيّ شيء يؤخّر هذا العذاب عنّا ويحبسهُ منّا ، وذلك استهزاءً بالعذاب غيرَ موقِنين بنزوله (أَلاَ يَوْمَ ) موتهم (يَأْتِيهِمْ) العذاب (لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ) مهما سألوا وتضرّعوا (وَحَاقَ بِهِم ) أي وأحاط بهم (مَّا كَانُواْ بِهِ ) أي بنزولهِ (يَسْتَهْزِؤُونَ) من العذاب .
9 - (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ) أي أحللنا بهِ نِعمةً من الصحّة والمال والولد وغير ذلك من نِعَم الدُنيا (ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ ) أي أخذناها منه لنختبرهُ هل يصبر أم يكفر (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ ) أي قَنوط من رحمةِ الله (كَفُورٌ) للنِعم .
10 - (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ ) يعني لئن أعطيناهُ نِعمة من صحّةِ جسمٍ ومالٍ وولد وغير ذلك بعد أن كان في ضيق ومرض وفقر (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ) أي ذهب الشرّ عنّي فلا يعود بعد ذلك (إِنَّهُ لَفَرِحٌ ) بما أصابهُ (فَخُورٌ) على الفقراء ، أي يتكبّر ويفتخر بما لديهِ من المال ولا يؤدّي زكاتهُ للفقراء .
11 - (إِلاَّ الّذينَ صَبَرُواْ ) عند الشِدّة فهم يشكرون عند الرخاء (وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) أي واظبوا على الأعمال الصالحة (أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) في الآخرة ، أي أجرٌ كثير .
12 - قال بعض أفراد قُريش ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا اُنزِلَ إليهِ ملَكٌ فيكون معهُ نذيراً فنصدّقهُ أو يُلقَى إليهِ كنزٌ يُنفقهُ علينا فنتبعهُ ، فنزلت هذه الآية (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ) يعني تتركهُ بين أصحابك ولا ترسلهُ إلى المشركين تجنّباً عن أقوالهم اللاّذعة واقتراحاتهم التافهة (وَضَآئِقٌ بِهِ ) أي بقولهم (صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ ) فينفقهُ علينا فنتبعهُ (أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ ) يُنذِرُ معه ويشهد بصحّةِ قولهِ فنصدّقه ، فقال الله تعالى مُخاطِباً رسوله (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ) وليس لك مِمّا اقترحوهُ شيء إذ لا مصلحة في ذلك (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) أي حفيظ ، يعني يحفظك من شرّهم ومكايدهم .
13 - (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ ) يا محمّد لهؤلاء المشركين (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ) بزعمكم (وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم ) إقناعهُ على رأيكم من رؤسائكم الّذينَ اتّخذتموهم أولياء (مِّن دُونِ اللّهِ ) ليُساعدوكم على إتيان عشرِ سوَر مِثل سوَر القرآن (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) في قولكم بأنّ محمّداً افتراهُ . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة يونس في آية 38 .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |