كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
84 - ثمّ ذكرَ سُبحانهُ حادثة اُخرى فقال (وَإِلَى مَدْيَنَ ) أرسلنا (أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ) وحدهُ ولا تشركوا بهِ شيئاً (مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ ) أي برخص الأسعار وخصب الأرض فلا حاجة بكم إلى نقصان الكيل والوزن (وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ) إن لم تتوبوا وتتركوا هذهِ العادات . وقد سبق تفسير مثل هذه الآية في سورة الأعراف في آية 85 .
85 - (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) أي بالعدل (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ) أي لا تنقصوا الناس أموالهم فتسرقوها بالكيل والوزن (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) يعني لا تُفسدوا فينتشر فسادكم في الأرض بسبب انتقالكم في السفَر والحضَر .
86 - (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ ) أي ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إتمام الكيل والوزن خيرٌ لكم من البخس والتطفيف لأنّ مال الحرام يُذهب البركة ويُزيل النعمة وتُعاقَبون عليهِ ، فاتركوا هذه العادة (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) بقولي (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) إن جاءكم العذاب ، يعني لا يُمكنني أن أحفظكم منهُ واُخلّصكم إذا نزلَ بكم العذاب .
87 - (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) وهذا القول استهزاءً منهم بصلاتهِ (أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء ) فتنهانا أن نقرّب القرابين لآلهتنا (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) يعني أنتَ معروف بالحِلم والرُشد من قديم فكيف يصدر منك هذا القول ؟
88 - (قَالَ) شُعيب ( يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ ) أي أبدوا لي رأيكم ماذا يكون مصيركم (إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ) يعني على بيان دائم ووحيٍ مُتّصل من ربّي وكذّبتموني فماذا يكون مصيركم بعد التكذيب ؟ (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ) يعني ألا ترَون كيف رزقني الله رزقاً واسعاً حسناً لأنّي لم اُنقص المكيال ولا الميزان فاقتدوا بي كي يزيد الله في رزقكم ويُكثّر خيراتكم (وَمَا أُرِيدُ ) بقولي هذا (أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) يعني لا اُريد أن أجعل خِلافاً بينكم فتكونون حِزبين مُختلفين بسبب ما أنهاكم عنه من عبادة الأصنام وتقديم القرابين لها وتطفيف الكيل (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ ) لكم (مَا اسْتَطَعْتُ ) على ذلك (وَمَا تَوْفِيقِي ) لإصلاحكم (إِلاَّ بِاللّهِ ) فهو الموفّق والميسّر المسبّب لكلّ خيرٍ وصلاح (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) في وعظكم وإرشادكم (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) يعني وإليهِ أرجع في استشاراتي .
89 - (وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي ) "الشِقاق" هو المخالفة والمعاداة ، والمعنى : لا تُخالفوني فيما آمركم بهِ ولا تعادوني فيما أنهاكم عنه فإنّ ذلك يحملكم على الإجرام ويوقعكم في المهالك (أَن يُصِيبَكُم ) يعني لئلاّ يُصيبكم (مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ ) من الهلاك بالغرق (أَوْ قَوْمَ هُودٍ ) بالريح العقيم (أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ) بالزلزال (وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ) أي بزمنٍ بعيد بل بمدّةٍ قريبة .
90 - (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ) من ذنوبكم (ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ) ولا تعودوا لمثلها في المستقبل (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ ) بالمستغفرين (وَدُودٌ) للتائبين .
91 - (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ) والمعنى : لا نسمع لقولكَ ولا نعمل بأمرك (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ) لا قوّةَ لك تدفعنا عن قتلك (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ) أي لولا عشيرتك الّذينَ هم على دِيننا لرجمناك بالحجارة وقتلناك (وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) لأنّك على غير دِيننا .
92 - (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ ) فتتركون قتلي لأجل رهطي ولا تحفظوني لله الّذي أرسلني إليكم بدين الحقّ (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) أي الدِين الّذي اُرسِلتُ بهِ (وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا ) أي منبوذاً وراء ظهوركم لا تعملون بهِ ولا تقبلونه (إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) عِلماً فيعاقبكم على أعمالكم السيّئة .
93 - (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ ) أي اعملوا على قدر تمكّنكم منّي ومن قتلي فلا أخافكم لأنّ الله ينصرني عليكم (إِنِّي عَامِلٌ ) بما أمرني ربّي من تبليغ الرسالة والنهي عن عبادة الأصنام (سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) في المستقبل (مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ) أنا أم أنتم ، لأنّهم هدّدوهُ بآلهتهم قالوا إنّها تنتقم منك (وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ) أنا أم أنتم (وَارْتَقِبُواْ) العذاب (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) .
94 - (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ) بالعذاب (نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالّذينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا ) أي بوحينا وإرشاداتنا لهم بأن قلنا لهم اُخرجوا من بينهم فخرجوا (وَأَخَذَتِ الّذينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ) يعني أخذوا يتصايحون ويصرخون حين سقطت ديارهم فوقهم (فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) تحت الأنقاض ، أي موتَى لا حراكَ بهم .
95 - (كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ) أي كأن لم يعيشوا فيها مُستغنين بالمال والأولاد (أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ ) من رحمة الله ، يعني لقبيلة مدين ، أمّا مدين نفسه فرجُل صالح هو إبن إبراهيم الخليل (كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ) من رحمة الله . وكانت هذه الحادثة بعد قوم لوط وقبلَ مجيء موسى .
96 - ثمّ عطف سُبحانهُ بقصّةِ موسى على ما تقدّم من قصص الأنبياء فقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا ) التسع (وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) أي وسُلطة ظاهرة بيّنة .
97 - (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) أي وجماعتهِ (فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ ) وتركوا موسى وآياتهِ (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ ) لهم (بِرَشِيدٍ) أي بمُصيب إلى الحقّ بل أرشدهم إلى الضلال .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |