كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة يوسف من الآية( 50) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

50 - فرجع الساقي من عند يوسف وأخبرَ الملِك بتأويل الرؤيا (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) أي بيوسف الّذي عبّر رؤيايَ (فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ) أي فلمّا جاءَ رسول الملِك إلى يوسف ليأخذهُ إلى الملِك (قَالَ) يوسف لرسول الملِك (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) يعني إلى سيّدك الملِك (فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) وإنّما امتنعَ عن الخروج من السجن وقال ذلك لرسول الملِك ليُثبتَ براءتهُ من الفاحشة الّتي اتّهمتهُ بها زُليخا (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) فيُظهر براءتي اليوم أمام الناس . فرجعَ الرسول إلى الملِك وأخبرهُ بما قالهُ يوسف ، فأرسل الملِك على النسوة [ أو استدعاهنّ ] وسألهنّ عن شأن يوسف وعن سبب تقطيع أيديهنّ .

51 - (قَالَ) الملِك للنسوة (مَا خَطْبُكُنَّ ) أي ما بالكنّ وما قِصّتكنّ مع يوسف (إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ) هل وجدتُنّ منهُ مَيْلاً إليكنّ (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ) أي لم نرَ عليهِ أيّ دليل على أنّه الّذي أرادَ بها الفاحشة . وهذه تبرئة ليوسف من ارتكاب الفاحشة ، حينئذٍ (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ) زُلَيخا (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) أي ظهرَ الحقّ وتبيّن ، يعني كلّ واحدة من النسوة أدّت حصّتها من الحقّ بشهادتها (أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) في قولهِ .

52 - (ذَلِكَ) الّذي طلبتُهُ من إحضار النِسوة والتحقيق معهنّ في شأني (لِيَعْلَمَ) يوسف (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) أي بما غاب عنهُ من مكانٍ أو زمان (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) إلى الخيانة بل الشيطان يهديهم إلى ذلك ، والمعنى : من كان من حِزب الله لا يخون ، ولكن من كان من حزب الشيطان فهو يخون .

53 - (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي ) عن الشهوة الجنسيّة والميل إلى الجمال من الرجال (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) لِما فيها من الغريزة الجنسيّة (إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ ) لِما صدرَ منّي (رَّحِيمٌ) بالتائبين .

54 - (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ) أي بيوسف (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) أي أجعلهُ خالصاً لنفسي في تدبير المملكة وأستشيرهُ في الاُمور لأنّه فاهم وأمين لا يخون (فَلَمَّا) جاءهُ يوسف و (كَلَّمَهُ قَالَ ) الملِك ليوسف (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ )170 أي إنّك عندنا ذو مكانة وأمانة فاصنع في المملكة ما شئتَ .

55 - (قَالَ) يوسف للملِك (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ) أي على مخازن نبات الأرض ، يعني إجعلني وكيلاً على بيادر الحنطة والحبوب الاُخرى (إِنِّي حَفِيظٌ ) للحبوب (عَلِيمٌ) بخزنها وحفظها من الحشرات ، فجعلهُ رئيساً للوزراء وألبسهُ خاتمهُ ووضع طوق الذهب في عنقهِ وأركبهُ في مركبتهِ الثانية ونادَوا أمامهُ إركعوا ، وزوّجهُ بعد ذلك أسنات بنت فوطيفارع كاهن أوُنَ فولدت لهُ إبنين قبل أن تدخل سنة الجوع فسمّى البِكرَ منسيّ وسمّى الثاني إفرائيم .

56 - (وَكَذَلِكَ) أي كما أنعمنا عليهِ بالخروج من السجن كذلك (مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ) فأصبحَ رئيس الوزراء ووكيل الملِك (يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء ) أي يتصرّف فيها حيث يشاء وينزل منها حيث يُريد (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء ) أي من هو أهلٌ للرحمة ، يعني نصيبُ برحمتنا من كان مُحسناً مع الناس (وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) إلى الفقراء والمحتاجِين .

57 - (وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ) من أجر الدنيا (لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ) باللهِ وحده ولم يُشركوا بهِ شيئاً (وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ) عقابه بامتثال أوامره واجتناب معاصيه .

وجاءت سبع سنين مُخصبة فاشترى يوسف الطعام وذخرهُ ، ثمّ جاءت سبع سنين مُجدبة فلم يبقَ في أرض كنعان طعام فقال يعقوب لأولادهِ إذهبوا إلى مصر واشتروا لنا طعاماً لئلاّ نموت جوعاً ، فذهبَ أولاد يعقوب إلى مصر ليميروا أهلهم بالطعام .

58 - (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ ) العشرة إلاّ بنيامين (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ) أي على يوسف (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) أي وهم لم يعرفوهُ ، فكان عُمرهُ حينئذٍ ثلاثين سنة لأنّ المدّة كانت ثلاثة عشر عاماً من وقت أن ألقَوهُ في الجُبّ إلى وقت مجيئهم إليه ليشتروا منهُ طعاماً ، لأنّهُ بقيَ سنة واحدة في بيت العزيز زوج زليخا ثمّ سُجنَ ثلاث سنين ثمّ صار رئيس الوزراء سبع سنين الخصبة ، وبعدها بسنتين من السنين المجدِبة جاء أخوته ، فكان المجموع ثلاث عشرة سنة مُدّة غيابهم عنهُ ، ثمّ إنّهم رأوا عليه لباس الملوك وجالساً على سرير الملك يأمرُ وينهَى ولم يخطُر ببالهم أنّه يصير إلى تلك المنزلة ، وأنّ يوسف تنكّر عليهم وتخمّر وكان يكلّم الترجمان باللغةِ القبطيّة والترجمان يُكلّمهم بالعِبريّة لئلاّ يعرفوهُ ، فاشترَوا منه طعاماً كلّ واحدٍ منهم حِمل بعير ، لأنّ يوسف كان لا يبيع لكلّ رجُل أكثر من حمل بعير .

59 - (وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ) يعني لَمّا كالَ لهم الطعام وجهّزهم بهِ (قَالَ) يوسف لأخوتهِ (ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ) يُريد بنيامين (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ) يعني أعطيكم الكيل وافياً كثيراً (وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) أي خير المضيّفين لكم .

القصّة : لَمّا رأى يوسف أخوته عرفهم فتنكّرَ لهم وكلّمهم بجفاء وقال لهم : من أين قدمتم ؟ قالوا : من أرض كنعان لنبتاع طعاماً ، فتذكّر يوسف الرؤيا الّتي رآها من قبل ، فقال لهم : أنتم جواسيس إنّما جئتم لتتجسّسوا ثغور الأرض ، فقالوا إنّما جئنا لنبتاع طعاماً نحنُ كلّنا بنو رجل واحد في أرض كنعان ، والصغير منّا عند أبينا وواحدٌ مفقود ، فقال يوسف بل الأمر كما قلتُ لكم أنتم جواسيس وبهذا تُمتحَنون لا تخرجون من هنا حتّى يأتي أخوكم الصغير إلى هنا . إبعثوا واحداً منكم يأتي بأخيكم وأنتم تُقيّدون حتّى نمتحن كلامكم هل أنتم صادقون وإلاّ فأنتم جواسيس . فجعلهم في الحبس ثلاثة أيّام وفي اليوم الثالث قال لهم يوسف : إصنعوا هذا فتحيَوا إنّي أتّقي الله فواحدٌ منكم يبقى في الحبسِ رهينة وأنتم إنطلقوا وخذوا ميرةً لمجاعةِ بيوتكم وائتُوني بأخيكم الصغير ليتحقّق كلامكم ولا تهلكوا . فصنعوا كما قال لهم .

وقال بعضهم لبعضٍ أنّنا لآثمون في أخينا إذ رأينا نفسهُ في شِدّةٍ وقد استرحمَنا فلم نسمعْ لهُ لذلك نالتنا هذه الشِدّة ، فأجابهم راؤوبين قائلاً ألم أقل لكم لا تأثموا في الولدِ وأنتم لم تسمعوا لذلك نحنُ مُطالَبون بدمهِ . ولم يكونوا يعلمون أنّ يوسف يفهم كلامهم لأنّهُ جعل ترجماناً بينهُ وبينهم ، فتحوّل عنهم وبكى ثمّ عادَ إليهم وخاطبهم وأخذ من بينهم شمعون فقيّدهُ بمشهدهم ، وأمر يوسف أن تُملأ أوعيتهم قمحاً وتُردّ فِضّة كلّ واحدٍ منهم في جوالقهِ (عِدْلِهِ) وأن يُعطَوا زاداً للطريق ، فصُنِعَ لهم كما أمر ، وحملوا ميرتهم على حميرهم وساروا من هناك وجاؤوا أباهم وقصّوا عليه جميع ما نالهم . وهذا معنى قوله :

------------------------------------

170 :لم يكن ذلك الملك من الفراعنة بل كان من الهكسوس وكانت لهم السّلطة على مصر في ذلك الزمن .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم