كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
85 - (قَالُواْ) أولاده (تَالله تَفْتَأُ ) أي لا تزال ، ومن ذلك قول أوس بن حجر يصفُ حرباً :
فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ
وقال الأعشى :
تَمَنَّوْكَ بِالغَيْبِ ما يَفْتَئُونَ يَبْنُونَ في كلِّ ماءٍ جَدِيرَا
فقول الشاعر "ما يَفْتَئُونَ " يعني ما يتركون البناء بل مداومون عليهِ ، وقال الآخر :
لَعَمْرُكَ ما تَفْتَأُ تَذْكُرُ خالِداً وقَدْ غالَهُ ما غالَ تُبّعَ مِنْ قبلُ
(تَذْكُرُ يُوسُفَ ) وتبكي عليه (حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ) يعني حتّى تشرف على الموت (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) أي من الميتين ، فالحرَض الاقتراب من الموت بسبب شِدّة المرض أو بسبب مُصيبة تُصيب الإنسان ، وفي ذلك قال العرجي :
إنِّـي امْـرُؤٌ لَـجّ بي حُبٌ فأَحْرَضَني حَـتّى بَلِيـتُ وحَـتّى شَـفَّني السّـقَمُ
وقال الطِرمّاح :
مَنْ يَرُمْ جَمْعَهم يَجِدْهم مَرَ === اجِيــحَ حُماةً للعُزّلِ الأَحْراضِ
يعني للمرضَى الّذينَ عزلوهم عن الناس . وقال امرؤ القيس :
أَرَى الْمَرْءَ ذَا الأزْوادِ يُصْبِحُ مُحْرَضاً كَإحْراضِ بَكْرٍ في الدِّيارِ مَرِيضِ
86 - (قَالَ) يعقوب (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ ) "الحُزن" ما خفيَ في القلب من هموم ، و"البثّ " ما لا يُطيق إخفاءهُ من الهموم فيبثّها للناس ويخبرهم بها (وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ) من شأن يوسف (مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أنتم وذلك بالرؤيا الّتي رأيتها .
87 - ثمّ قال (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ ) إلى مصر (فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ ) بنيامين ، أي تجسّسوا ، ولكن كلمة "تحسّسوا" تستعمل لتحصيل أخبار الشخص من أفواه الناس واستماع ما يتحدّثون عنهُ ، ومن ذلك قول عنترة :
فبعَثتُ جاريتي فقلتُ لها اذْهبي فتَحَسَّسِي أخبارَها لي واعْلَمِي
وقال الآخر :
تَرَى الطَّيْرَ العِتَاقَ يَظَلْنَ مِنْهُ جُنُوْحاً إِنْ سَمِعْنَ له حَسِيْسَا
وبعبارةٍ اُخرى أقول إنّ التحسّس ما تنصتُ لهُ الاُذُن ، أي تسمعه الآذان ، ومن ذلك قوله تعالى في وصف جهنّم في سورة الأنبياء {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } ، وأمّا كلمة "تجسّسوا" فتستعمل لطلب آثار الشخص والتفتيش عنهُ برؤيا العين ، ومن ذلك قولهم "جسّ الطبيبُ يدي" أي لمسها بنفسهِ ورآها بعينهِ ، قال الله تعالى في سورة الحجرات {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا } ،
(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ ) يعني لا تيأسوا مِمّا قدّرهُ اللهُ لكم من الراحة والاطمئنان بواسطة يوسف ، وبذلك يُشير إلى الرؤيا الّتي رآها يوسف حين طفولتهِ ووعدهُ يعقوب بالخير بقولهِ {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } ، والمعنى : فتّشوا عن يوسف لأنّ الخير يأتيكم على يدهِ . فكلمة "رَوْح" معناها الراحة والاطمئنان ، والشاهد على ذلك قولهُ تعالى في سورة الواقعة {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } ، وقال النابغة الذبياني يمدحُ إبن الجلاح :
فَسَكَّنْتَ نَفْسِي بَعْدَما طارَ رَوْحُها وألْبَسْتَنِي نُعمَى ولَسْتُ بِشاهِدِ
(إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) . ثمّ ساروا إلى مصر كما أمرهم أبوهم .
88 - (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ ) أي على يوسف (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ) أي أصابنا وأهلنا الشِدّة بفقدان أخينا يوسف وحُزن أبينا عليهِ وأخذك بنيامين منّا وأصابنا الجوع في هذه السنين المجدِبة (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ) أي مدفوعةٍ لك من أبينا فتقبّلها منّا وإن كانت قليلة في حقّكَ ، فالمزجاة معناها المدفوعة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ } أي يدفع لكم الفُلك بواسطة الرياح ، ومن ذلك قول النابغة :
وَهَبَّتِ الرِّيحُ من تِلْقاءِ ذِي أُرُلٍ تُزْجِي مِنَ اللّيل مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ) بثمنهِ (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ) بعتقِ أخينا بنيامين (إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) بخيرٍ من عندهِ في الدنيا والآخرة . وكانت بضاعتهم الّتي جاؤوا بها إلى يوسف هديّةً : بلساناً171 ودبساً ونكعةً172 ولاذناً173 وفستقاً ولوزاً وبعض الفواكه .
89 - (قَالَ) يوسف لأخوتهِ (هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ ) من الضرب وإلقائهِ في الجُبّ وبيعه بعشرين درهماً (وَأَخِيهِ) بنيامين من الإهانة بعد فراق أخيهِ (إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) ما يؤول إليهِ شأن يوسف .
90 - (قَالُواْ) وهم مُتعجّبون مِمّا هو فيهِ من الحُكم والمنزلة (أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا ) بالسّلامةِ والكرامة والاجتماع (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ) المحرّمات (وَيِصْبِرْ) على ما ينالهُ من مكروه (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) إلى الضُعفاء والمساكين .
91 - (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا ) بحُسنِ الصورة والسريرة ومحاسن الأخلاق والملْك وأحوَجَنا إليك (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) يعني وقد كنّا لخاطئين في شأنك وما صنعناهُ معك .
92 - (قَالَ) يوسف (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) أي لا لومَ ولا توبيخ عليكم اليوم (يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ) لأنّكم اعترفتم بخطيئتكم وندمتم على ما مضَى منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) بالتائبين النادمين . ثمّ سألهم عن حال أبيهِ فقالوا ضَعُفَ بصرهُ ونحلَ جسمهُ من شِدّةِ حُزنهِ وكثرة بُكائهِ عليك فقال لهم :
------------------------------------171 :هو عِطرٌ يُستخرَج من زهرٍ أبيض صغير بهيئة عناقيد مدلاّة في أشجار . ولعلّهُ ورد رازقي .172 :هو ثمرُ شجر أحمر اللّون .173 :هو نوع من العلوك .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |