كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الرعد من الآية( 19) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

19 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ الفرق بين المؤمن والكافر فقال (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) القرآن (مِن رَبِّكَ ) هو (الْحَقُّ) فاستجابَ وآمَنَ (كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) عن طريق الحقّ فكذّبَ وداهنَ لا يستوون عند الله (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) يعني إنّما يتّعِظ بالقرآن ذوو العقول الواعية .

20 - (الّذينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ ) أي بالعهد الّذي عاهدوا النبيّ عليهِ بأن يُناصروهُ (وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) الّذي واثقوا النبيّ بهِ .

21 - (وَالّذينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ ) من صِلة الرحم (أَن يُوصَلَ ) بما يتمكّن بهِ الإنسان من مُساعدة أرحامهِ الفقراء (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) بالغيب فلا يعصونهُ (وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) أي أسوء العقاب ، وهو الدخول في جهنّم .

22 - (وَالّذينَ صَبَرُواْ ) على قِتال المشركين (ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ ) يعني طلَباً للجنّة الّتي هيَ في جهةِ ربّهم في السماوات الأثيريّة (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ ) على الفقراء والضُعفاء (مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) في سبيل الله (سِرًّا وَعَلاَنِيَةً ) يعني سرّاً لمن لا يسألهم وعلانية لمن يسأل من الفقراء (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) أي يدفعون السيّئة بالحسنة ، يعني إذا شتمهم أحد من الناس قالوا لهُ غفر الله ذنبك ، وإذا عاملهم أحد بالإساءة عاملوهُ بالإحسان (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) يعني لهم في الآخرة دار الراحة والنعيم .

23 - ثمّ بيّنَ سُبحانهُ ما هيَ الدار الّتي يسكنونها في الآخرة فقال (جَنَّاتُ عَدْنٍ ) أي سبعٍ في العدد (يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) يعني أولادهم ، أي من آمَن منهم وصلحت أعمالهم ، وذلك ليتمّ السرور لهم باجتماعهم مع آبائهم وزوجاتهم وأولادهم (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ) من أبواب القصر للتهنئة ويُباركون لهم ويُسلّمون عليهم ، فيقولون:

24 - (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ) في الدنيا على طاعة الله وعلى الشدائد والمِحَن في سبيلهِ (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) أي نِعمَ عاقبة الدار الّتي صِرتم إليها .

25 - ثمّ أخذ سُبحانهُ في ذمّ اليهود وما لهم في الدنيا بسبب كفرهم وإشراكهم وما لهم في الآخرة بسبب نقضهم للعهود الّتي أخذها الله عليهم بواسطة أنبيائهم فقال تعالى (وَالّذينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ ) في كلّ مرّةٍ (مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) يعني من بعد توكيدهِ ، وذلك بما عاهدوا الله بأن يعبدوهُ وحدهُ ولا يُشركوا بهِ شيئاً من المخلوقات ، ولكنّهم نقضوا المواثيق وخانوا العهود وعبدوا الأصنام (وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ ) من صِلة الرحم ومُساعدة الفقراء والمحتاجين (أَن يُوصَلَ ) بما يستطيعون أن يصِلوهم بهِ من المال (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) بالفِتن وعمل التماثيل والأصنام والسواري ليعبدوها (أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ) في الكتُب السماويّة لتكون ذُلاً لهم وعاراً عليهم في الدنيا (وَلَهُمْ) في الآخرةِ (سُوءُ الدَّارِ ) أي أسوء الدار يسكنونها وهي جهنّم .

26 - قال بعض اليهود للمسلمين : "لو كنتم على حقّ لأعطاكم الله من المال كما أعطانا ولم يترككم فقراء" ، فنزلت هذهِ الآية (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ ) يعني الله يوسّع الرزق على من يشاء من عبادهِ ويُضيّقهُ على آخرين امتحاناً لهم ليرى هل يشكرون أم يكفرون ، وليست كثرة المال لمن هو على حقّ ، بل يوسّع الله المال للكافرين في الدنيا ليخسروا الآخرة (وَفَرِحُواْ) اليهود (بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وفرحهم أوّلاً بالمال والأولاد ، ثانياً فرحوا بالأماني الباطلة بأن قالوا نحنُ شعبُ الله المختار ولا يُعذّبنا في الآخرة إلاّ سبعة أيّام (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ ) أي بالنسبة للآخرة (إِلاَّ مَتَاعٌ ) يعني كما يأخذ المسافر متاعهُ للطريق فقط فينفد متاعهُ بمدّةٍ قصيرة . أمّا متاع الآخرة فهو باقٍ على الدوام لا يزول ولا يفسد ولا ينفد .

27 - (وَيَقُولُ الّذينَ كَفَرُواْ ) أي الّذينَ كفروا بالقرآن (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) أي مُعجزة من ربّهِ كما جاءَ موسى بالعصا فنصدّقهُ ونؤمن بهِ (قُلْ) لهم يا محمّد (إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ) والمعنى : ليست الهداية إلى طريق الحقّ برؤية المعجزات ولكن الهداية بيد الله فإنّ الله يهدي من كان أهلاً للهداية ويضلّ عن الحقّ من يستحقّ الإضلال بسوء أخلاقهِ وظلمهِ للناس ، فلو كانت الهداية برؤية المعجزات لاهْتدَى فرعون وآمَن بموسى ولكنّهُ لم يؤمن مع كثرة المعجزات الّتي جاء بها موسى لأنّ فرعون ظالم ولذلك لم تشملهُ الهداية ، وكذلك أنتم لم تشملكم الهداية لظلمكم وسوء أخلاقكم (وَيَهْدِي إِلَيْهِ ) أي إلى دينهِ (مَنْ أَنَابَ ) منكم أيّها الكافرون ، أي من تاب عن أفعاله السيّئة ورجعَ إلى الله بالأعمال الصالحة ، فمِثل هذا الإنسان يهديه الله إلى طريق الحقّ فيؤمن بمحمّد ويُسلم .

28 - ثمّ وصفَ الّذينَ آمنوا من اليهود وغيرهم فقال تعالى (الّذينَ آمَنُواْ ) بالقرآن (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ ) أي وهم على ثِقةٍ واطمئنان بما جاء في القرآن من الثواب والنعيم لِمن آمَن ، فكلمة "ذِكر" معناها الموعظة ، والمعنى : تطمئنّ قلوبهم بموعظةِ الله ويوقنون بها (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ ) أي بموعظة الله يعني القرآن (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) إلى رحمتهِ وثوابهِ .

29 - (الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ ) أي لهم الذِكريات الطيّبة في الدنيا في الكتُب السماويّة (وَحُسْنُ مَآبٍ ) في الآخرة ، يعني ولهم حُسن المرجع ، فكلمة "طوبَى" مُشتقّة من العادات والذِكريات الطيّبة ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الزمر {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } ، وقال تعالى في سورة النحل {الّذينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم