كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
26 - قال بعض اليهود للمسلمين : "لو كنتم على حقّ لأعطاكم الله من المال كما أعطانا ولم يترككم فقراء" ، فنزلت هذهِ الآية (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ ) يعني الله يوسّع الرزق على من يشاء من عبادهِ ويُضيّقهُ على آخرين امتحاناً لهم ليرى هل يشكرون أم يكفرون ، وليست كثرة المال لمن هو على حقّ ، بل يوسّع الله المال للكافرين في الدنيا ليخسروا الآخرة (وَفَرِحُواْ) اليهود (بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وفرحهم أوّلاً بالمال والأولاد ، ثانياً فرحوا بالأماني الباطلة بأن قالوا نحنُ شعبُ الله المختار ولا يُعذّبنا في الآخرة إلاّ سبعة أيّام (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ ) أي بالنسبة للآخرة (إِلاَّ مَتَاعٌ ) يعني كما يأخذ المسافر متاعهُ للطريق فقط فينفد متاعهُ بمدّةٍ قصيرة . أمّا متاع الآخرة فهو باقٍ على الدوام لا يزول ولا يفسد ولا ينفد .
27 - (وَيَقُولُ الّذينَ كَفَرُواْ ) أي الّذينَ كفروا بالقرآن (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) أي مُعجزة من ربّهِ كما جاءَ موسى بالعصا فنصدّقهُ ونؤمن بهِ (قُلْ) لهم يا محمّد (إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ) والمعنى : ليست الهداية إلى طريق الحقّ برؤية المعجزات ولكن الهداية بيد الله فإنّ الله يهدي من كان أهلاً للهداية ويضلّ عن الحقّ من يستحقّ الإضلال بسوء أخلاقهِ وظلمهِ للناس ، فلو كانت الهداية برؤية المعجزات لاهْتدَى فرعون وآمَن بموسى ولكنّهُ لم يؤمن مع كثرة المعجزات الّتي جاء بها موسى لأنّ فرعون ظالم ولذلك لم تشملهُ الهداية ، وكذلك أنتم لم تشملكم الهداية لظلمكم وسوء أخلاقكم (وَيَهْدِي إِلَيْهِ ) أي إلى دينهِ (مَنْ أَنَابَ ) منكم أيّها الكافرون ، أي من تاب عن أفعاله السيّئة ورجعَ إلى الله بالأعمال الصالحة ، فمِثل هذا الإنسان يهديه الله إلى طريق الحقّ فيؤمن بمحمّد ويُسلم .
28 - ثمّ وصفَ الّذينَ آمنوا من اليهود وغيرهم فقال تعالى (الّذينَ آمَنُواْ ) بالقرآن (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ ) أي وهم على ثِقةٍ واطمئنان بما جاء في القرآن من الثواب والنعيم لِمن آمَن ، فكلمة "ذِكر" معناها الموعظة ، والمعنى : تطمئنّ قلوبهم بموعظةِ الله ويوقنون بها (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ ) أي بموعظة الله يعني القرآن (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) إلى رحمتهِ وثوابهِ .
29 - (الّذينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ ) أي لهم الذِكريات الطيّبة في الدنيا في الكتُب السماويّة (وَحُسْنُ مَآبٍ ) في الآخرة ، يعني ولهم حُسن المرجع ، فكلمة "طوبَى" مُشتقّة من العادات والذِكريات الطيّبة ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الزمر {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } ، وقال تعالى في سورة النحل {الّذينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } .
30 - نزلت هذه الآية في صُلح الحديبية حين أراد المشركون كتاب الصُلح ، فقال رسول الله لعليّ : " اُكتب بسم الله الرحمان الرحيم" ، فقال سهيل بن عمرو والمشركون : "ما نعرف الرحمان ، اُكتب باسمك اللّهمّ " ، وهكذا كان أهل الجاهليّة يكتبون ، ثمّ قال رسول الله : " اُكتب هذا ما صالحَ عليهِ محمّد رسول الله " ، فقال مشركو قُريش : "لئن كنتَ رسول الله ثمّ قاتلناك وصددناك لقد ظلمناك ، ولكن اكتب هذا ما صالح محمّد بن عبد الله" .
(كَذَلِكَ) أي كما أرسلنا رُسُلاً في اُمَمٍ فكذّبوهم كذلك (أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ ) أي قد مضَتْ (مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ ) كثيرة كذّبت رُسُلها (لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ ) أي لتقرأ عليهم القرآن (الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ ) أي يُنكرونهُ لأنّهم لم يعرفوا قبل ذلك أنّ كلمة "رحمان" من أسماء الله وصفاتهِ (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ ) في الكون (إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) في نشر الدعوة إلى عبادتهِ (وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) يعني وإلى الرحمان توبتي .
31 - نزلت هذه الآية في نفرٍ من مُشركي العرب منهم أبو جهل بن هشام وعبد الله بن اُميّة المخزومي ، جلسوا خلف الكعبة ثمّ أرسلوا إلى النبيّ (ع) فأتاهم فقال لهُ عبد الله بن اُميّة : "إنْ سَرّكَ أن نتّبعك فسيّر لنا جبال مكّة بقراءتِكَ القرآن فأذهِبها عنّا حتّى تتفسّح فإنّها أرضٌ ضيّقة واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً فنُصدّقك ونتّبعك ، أو أحيِ لنا جدّكَ قصيّاً أو مَن شئتَ من موتانا لنسألهُ أحقّ ما تقول أم باطل!" فنزلت هذه الآية :
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ) كما اقترحوا عليك يا محمّد (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ) وتفجّرت منها الينابيع (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ) كما اقترحوا وأجابتهم موتاهم بإنّ محمّداً على حقّ ، لم يؤمنوا بك يا محمّد ولم يُصدّقوك إلّا أن يشاء الله . ونظيرها في سورة الأنعام قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ } . وقوله (بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ) يعني أمرُ هدايتهم وإضلالهم وكذلك تسيير الجبال وتقطيع الأرض بيد الله وهو قادر على ذلك ولكن هذا لا يكون إلاّ عند اقتراب القيامة .
كان بعض المسلمين يدعون أقاربهم من المشركين إلى الإسلام ويأملون أن يُسلموا فإذا صادفوهم في ميدان القتال تردّدوا عن قتالهم ، فنزل قوله تعالى (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الّذينَ آمَنُواْ ) من إيمان أقربائهم المشركين ويُقاتلوهم بعزمٍ وشِدّةٍ ولا يتماهلوا عن قتالهم (أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) ولكنّ الله يهدي من كان أهلاً للهداية ويُضلّ من يستحقّ الإضلال ، فلا تتراجعوا عن قتالهم لأنّهم لا يُسلمون (وَلاَ يَزَالُ الّذينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ ) معكم أيّها المسلمون حيث أخرجوكم من مكّة وآذَوكم ، تصيبهم (قَارِعَةٌ) وهيَ الشِدّة الّتي تقرع أبوابهم وديارهم من قتلٍ ونهبٍ أو مرض وموت أو قحط وجدب أو غير ذلك من مصائب الدنيا (أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ ) وهي الوحوش الضارية ، يعني تسكن الجبال القريبةَ منهم وتهجم عليهم ليلاً فتأكل أنعامهم ودجاجهم ، وهيَ الذئاب والثعالب والثعابين والاُسود ، وقد افترس الأسد بعضهم وأكلهُ (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ ) بالنصر للمؤمنين (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) وقد أنجز الله وعدهُ للمؤمنين بالنصر على الكافرين وشتّتَ شمل المشركين .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |