كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الرعد من الآية( 5) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

5 - (وَإِن تَعْجَبْ ) يا محمّد لشيء (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا ) بعد موتنا وتمزيق أجسامنا (أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) يعني هل تجتمع تلك الأوصال المتقطّعة وذلك التراب المنتَنّ ويكون إنساناً من جديد فهذا غير مُمكن .
(أُوْلَـئِكَ الّذينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ) أي بقدرة ربّهم (وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ) في الآخرة (وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ) يوم القيامة .

6 - (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) المشركون (بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ) أي يستعجلونك بطلب العذاب قبل الرحمة والمغفرة ، وذلك لَمّا قال لهم رسول الله إن آمنتم فإنّ الله يغفر ذنوبكم ويرحمكم في الدنيا والآخرة ، وإن عصيتم أمري ولم تؤمنوا فإنّ الله يُنزل عليكم العذاب ويهلككم كما أهلك أصحاب الفيل . فقال رجُلٌ منهم أللّهُمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندكَ فأمطِر علينا حجارةً من السماءِ كما أمطرتَ على أصحاب الفيل وعلى قوم لوط . وكان قولهُ هذا استهزاءً منهُ (وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ ) أي وقد مضت من قبلهم العُقوبات بالاُمَم السالفة الّتي كذّبت رُسُلها وقد سمعوا بقصصهم ورَأوا آثارهم فكيفَ يتجاسرون على طلب العذاب ولم يؤمنوا لينالوا الرحمة والغُفران من الله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) أنفسهم إذا تابوا وأسلموا (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن بقيَ على كفرهِ ولم يُسلِم .

7 - (وَيَقُولُ الّذينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) أي مُعجزة كعصا موسى وناقة صالح وغير ذلك (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) يا محمّد وليس لك ما طلبوهُ من المعجِزات المادّية لأنّها لا تأتي بفائدةٍ مَرْضِيّة عندهم بل يقولون عند رؤيتها هذا سِحرٌ مُبين ، كما قال من سبقهم من الاُمَم السالفة (وَلِكُلِّ قَوْمٍ ) ضالّين أرسلنا (هَادٍ) أي مُرشداً يُرشدهم إلى طريق الحقّ ، وكذلك أنتَ يا محمّد أرسلناك مُنذِراً ومُرشِداً .

8 - (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى ) هل هو ذكر أم اُنثى (وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ ) أي ويعلمُ ما تنقص الأرحام بسقوط أجنّتها ، فالغيض هو نقصان الشيء ، والدليل على ذلك قولهُ تعالى في قِصّةِ نوح [في هذه السورة] { وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } يعني نقصَ الماء ، والشاهد على ذلك قول الراجز :

                                    لا تَأْوِيَا لِلْحَوْضِ أَنْ يَفِيضَا          أَنْ تَغْرِضَا خيرٌ منْ أَنْ تَغِيضَا

يقول الشاعر أنْ تملآهُ خيرٌ من أنْ تُنقصاهُ . وقالت الخنساء تخاطب عينها :

                                    ففيضِي بالدموعِ علَى كريمٍ       رَمَتْهُ الحادِثاتُ ولا تَغيضِي

أي ولا تنقصي (وَمَا تَزْدَادُ ) الحامل على حملها فيكون في بطنها اثنين أو أكثر من ذلك (وَكُلُّ شَيْءٍ ) من مُركّبات العناصر والموادّ الّتي يتكوّن منها الجنين (عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ) مُعيّن لا تُزاد ولا تنقص ، إذ لو زادَ أو نقصَ لجاءَ المولود ناقصاً أو مريضاً ، فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالِقين .

9 - (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) أي يعلمُ بما غابَ عنكم وما حضرَ عندكم (الْكَبِيرُ ) بالإجلال والعظمة (الْمُتَعَالِ) فوق الجميع .

10 - (سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ ) أي سواءٌ عندهُ السرّ في القول والعلانية (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللّيل وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ) يعني ومن هو سائِرٌ في النهار ، والمسرب هو الطريق الضيّق الّذي يسير فيهِ ، وجمعهُ مسارب ، ومن ذلك قول الأعشى :

                                        وَمَهمَهٍ نازِحٍ قَفرٍ مَسارِبُهُ         كَلَّفتُ أَعيَسَ تَحتَ الرَحلِ نَعّابا

وقال ابن دُريد :
                                     وكُلُّ أُناسٍ قارَبوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ        ونحن حَلَلْنا قَيدَهُ فهو سارِبُ

والمعنى : إنّ الله تعالى يرى ما أخفتهُ ظُلمة اللّيل كما يرى ما أظهرهُ ضوء الشمس في النهار .

11 - (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ) ضمير "لهُ " يعود للهادي من قوله تعالى (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، والمعقّبات هم الملائكة الّتي تمشي خلفهُ لتحرسهُ (مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ ) أي يحرسون ذلك الهادي ، يعني يحرسون النبيّ (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) قلتُ فيما سبق أنّ كلمة "أمر" هيَ كناية المخلوقات الروحانية فكلّ قسم منها يُسمّى أمر ، فالجنّ أمر والملائكة أمر ونفوس البشر أمر وهكذا كلّ نوع منها يُسمّى أمر وجمعها اُمور ، فقوله تعالى (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) يعني يحرسون النبيّ من المخلوقات الروحانيّة الشرّيرة كالجنّ والشياطين وغير ذلك .

وحراسة الملائكة خاصّة للأنبياء والهُداة وليس لجميع الناس ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الجن {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } ، يعني يبعث للرسول ملائكة تحرسهُ وترصدهُ . (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ) من نعمةٍ أنعمها عليهم (حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) من عادات حسنة وأعمال صالحة (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا ) بسبب ظلمهم (فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ) أي فلا مردّ للسُوء (وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) أي فما لهم غير الله من والٍ يتولّى أمرهم ويُخلّصهم من ذلك السُوء .

12 - (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا ) من الصواعق (وَطَمَعًا) بالمطر (وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ ) من البحار والأنهار (الثِّقَالَ) بالمطر .

13 - (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) يعني صوت الرعد يُنزّه الله عن أن يكون لهُ شريك ، وذلك لمن نظرَ وفكّرَ في الرعد كيف يحدُث في الفضاء بلا آلةٍ ولا بوق يُخرج الصوت ومع ذلك فهو صوتٌ شديد مُرعب ، أليست هذه الأصوات دالّة على قدرة الله ووحدانيّتهِ حيث أخرجها بلا آلةٍ وكوّنها بلا تكلّف (وَالْمَلاَئِكَةُ) يُسبّحون للهِ (مِنْ خِيفَتِهِ ) أي خوفاً من الله (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء ) قتلهُ أو إضرارهُ (وَهُمْ) أي المشركون (يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ ) مع كثرة الأدلّة على وحدانيّتهِ (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) أي شديد الإحالة بين المرء وقلبهِ ، ألا يخافون أن يحولَ اللهُ بينهم وبين قلوبهم فحينئذٍ يعملون بأنفسهم كما يعمل العدوّ بعدوّهِ فإذا أفاقوا من سكرتهم ورأوا ما فعلوا بأنفسهم أخذتهم الندامة والحسرة على ما فرطَ منهم ، وهذا أشدّ العذاب على الإنسان وهو عذاب الضمير . ومِمّا يؤيّد هذا آية في سورة الأنفال قوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } ، وقال الأعشى يمدح الأسود بن المنذر اللّخمي :

                                 فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ الْمَجْ === دِ غَزِيرُ النَّدَى شَدِيدُ المِحَالِ

يعني شديد الغيرة على عيالهِ يحول دونهم ويمنعُ من يُريد الوصول إليهنّ .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم