كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
9 - (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) أي يعلمُ بما غابَ عنكم وما حضرَ عندكم (الْكَبِيرُ ) بالإجلال والعظمة (الْمُتَعَالِ) فوق الجميع .
10 - (سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ ) أي سواءٌ عندهُ السرّ في القول والعلانية (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللّيل وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ) يعني ومن هو سائِرٌ في النهار ، والمسرب هو الطريق الضيّق الّذي يسير فيهِ ، وجمعهُ مسارب ، ومن ذلك قول الأعشى :
وَمَهمَهٍ نازِحٍ قَفرٍ مَسارِبُهُ كَلَّفتُ أَعيَسَ تَحتَ الرَحلِ نَعّابا
وقال ابن دُريد :
وكُلُّ أُناسٍ قارَبوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ونحن حَلَلْنا قَيدَهُ فهو سارِبُ
والمعنى : إنّ الله تعالى يرى ما أخفتهُ ظُلمة اللّيل كما يرى ما أظهرهُ ضوء الشمس في النهار .
11 - (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ) ضمير "لهُ " يعود للهادي من قوله تعالى (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، والمعقّبات هم الملائكة الّتي تمشي خلفهُ لتحرسهُ (مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ ) أي يحرسون ذلك الهادي ، يعني يحرسون النبيّ (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) قلتُ فيما سبق أنّ كلمة "أمر" هيَ كناية المخلوقات الروحانية فكلّ قسم منها يُسمّى أمر ، فالجنّ أمر والملائكة أمر ونفوس البشر أمر وهكذا كلّ نوع منها يُسمّى أمر وجمعها اُمور ، فقوله تعالى (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) يعني يحرسون النبيّ من المخلوقات الروحانيّة الشرّيرة كالجنّ والشياطين وغير ذلك .
وحراسة الملائكة خاصّة للأنبياء والهُداة وليس لجميع الناس ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الجن {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } ، يعني يبعث للرسول ملائكة تحرسهُ وترصدهُ . (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ) من نعمةٍ أنعمها عليهم (حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) من عادات حسنة وأعمال صالحة (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا ) بسبب ظلمهم (فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ) أي فلا مردّ للسُوء (وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) أي فما لهم غير الله من والٍ يتولّى أمرهم ويُخلّصهم من ذلك السُوء .
12 - (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا ) من الصواعق (وَطَمَعًا) بالمطر (وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ ) من البحار والأنهار (الثِّقَالَ) بالمطر .
13 - (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) يعني صوت الرعد يُنزّه الله عن أن يكون لهُ شريك ، وذلك لمن نظرَ وفكّرَ في الرعد كيف يحدُث في الفضاء بلا آلةٍ ولا بوق يُخرج الصوت ومع ذلك فهو صوتٌ شديد مُرعب ، أليست هذه الأصوات دالّة على قدرة الله ووحدانيّتهِ حيث أخرجها بلا آلةٍ وكوّنها بلا تكلّف (وَالْمَلاَئِكَةُ) يُسبّحون للهِ (مِنْ خِيفَتِهِ ) أي خوفاً من الله (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء ) قتلهُ أو إضرارهُ (وَهُمْ) أي المشركون (يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ ) مع كثرة الأدلّة على وحدانيّتهِ (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) أي شديد الإحالة بين المرء وقلبهِ ، ألا يخافون أن يحولَ اللهُ بينهم وبين قلوبهم فحينئذٍ يعملون بأنفسهم كما يعمل العدوّ بعدوّهِ فإذا أفاقوا من سكرتهم ورأوا ما فعلوا بأنفسهم أخذتهم الندامة والحسرة على ما فرطَ منهم ، وهذا أشدّ العذاب على الإنسان وهو عذاب الضمير . ومِمّا يؤيّد هذا آية في سورة الأنفال قوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } ، وقال الأعشى يمدح الأسود بن المنذر اللّخمي :
فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ الْمَجْ === دِ غَزِيرُ النَّدَى شَدِيدُ المِحَالِ
يعني شديد الغيرة على عيالهِ يحول دونهم ويمنعُ من يُريد الوصول إليهنّ .
14 - (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ) يعني من يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وينهَى عن عبادة الأصنام والأوثان ، فإنّ دعوته دعوة حقّ وهو مُصيب في دعواهُ وإذا سألَ من الله حاجته استجابَ لهُ (وَالّذينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ) أي الّذينَ يدعون إلى عبادة الأصنام والأوثان ويسألون حوائجهم منها (لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ ) من قضاء حوائجهم لأنّها جماد لا تضرّ ولا تنفعُ ، أمّا الملائكة فلا تسمع سؤالهم لأنّها في السماوات بعيدةٌ عنهم ولو سمعوا ما استجابوا لهم لأنّ الأمر كلّهُ بيد الله وليسَ بيد الملائكة ولا بيد الأنبياء ولا غيرهم من المقرّبين عند الله ، فلا فائدة من دعواهم للأنداد (إِلَّا) الأمانيّ ، يعني لا فائدة لهم من سؤالهم للأوثان والأنداد إلاّ الأماني الّتي يُفكّر بها هؤلاء المشركون والأوهام التي تختلج نفوسهم إذ يقولون أنّ الأصنام تنصرنا على أعدائنا وتقضي حوائجنا وتشفع لنا عند الله ، فيكون مثَل هؤلاء المشركين في دعواهم للأصنام والأوثان (كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ) أي مثل رجُل انتقلَ بموته إلى عالم النفوس وهو عطشان فيدنو من النهر ويمدّ يديهِ إلى الماء ليغترف ويشرب ولكن لا يُمكنُه ذلك لأنّه أصبح روحانياً خفيفاً كالهواء ، والماء ثقيل فلذلك لايمكنه حمل الماء ولا الشربُ منهُ ، فإذا يئسَ من ذلك النهر رجعَ بعطشهِ وخابَ أملهُ ، فكذلك الذي يبسط كفيّه للأصنام أو لغيرها من المخلوقين ويسأل حاجتهُ منها ويرجو أن تقضي حوائجهُ يرجعُ عنها بالخيبةِ والخُسران ، وذلك قوله تعالى (لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ) لأنّ الماء مادّي ثقيل والنفس أثيريّة خفيفة لا يُمكنها حملُه ولا شُربهُ ، أمّا النفوس الصالحة فإنّها تشرب من ماء أثيري تأتي بهِ الملائكة من الجنّة175 (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ ) للأصنام (إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) عن الحقّ .
15 - (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) أي من في الكواكب السيّارة ومن جُملتها الأرض ، والسجود معناهُ الانقياد لأوامره ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
وسُقنا كرائمَهم سُجّداً بأحْداجِها وذواتَ الحِزامِ
(طَوْعًا وَكَرْهًا ) يعني بعضهم يسجدُ طائعاً وبعضهم يسجدُ كارهاً ، فالّذينَ يسجدون طائعين هم المؤمنون ، وأمّا الّذينَ يسجدون مُكرَهين هم الكافرون ينقادون للعذاب بعد موتهم كارهين (وَظِلالُهُم) يعني وظلالهم تشهد لهم بسجودهم ، فالظلّ هو الفيء ، ومن ذلك قول عنترة :
صَدَمْتُ الجَيْشَ حتَّى كلَّ مُهْرِي وعُدْتُ فما وَجَدْتُ لهم ظِلالا
أي فما وجدتُ لهم من بقيّةٍ باقية ، وقوله (بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) أي بالصباح والمساء ، والمعنى : على الدوام ، فالغدوّ جمع غد ، والآصال جمع أصيل .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |