كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة إبراهيم من الآية( 34) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

34 - (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) والمخاطب بهذا المسلمون حيث سبق ذكرهم بقوله تعالى {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}. والشيء الذي سألوه من الله فأعطاهم إيّاه هو الذي جاء ذكره في آخر سورة البقرة إذ قال {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} إلى آخر الآية ، وكذلك أعطاهم كلّ ما سألوه لنصرتهم يوم بدر ، فقد سألوه الغيث فأنزل عليهم المطر وسألوه الإمداد بالملائكة لنصرتهم فأعطاهم ، وذلك قوله تعالى في سورة الأنفال {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}.

(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) عدداً لكثرتها عليكم (إِنَّ الْإِنسَانَ) المشرك (لَظَلُومٌ) أي كثير الظلم (كَفَّارٌ) أي كثير الكفر .

35 - (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ) تقديرهُ واذكر يا محمّد لقُريش إذ قال إبراهيم (رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ ) أي مكّة (آمِنًا) فجعلهُ الله أماناً لمن دخلهُ ، حتّى كان الرجُل منهم يرى قاتل أبيهِ في البيت فلا يتعرّض لهُ بسوء ، ويدنو الوحش فيها من الناس فيأمنهم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) بلطفٍ منك علينا ، وهذا خطاب لأهل مكّة ، والمعنى : إنّكم تقولون نحنُ سائرون على دين إبراهيم فإنّه كان موحّداً يعبد الله وحدهُ ولَمّا بنى البيت دعى بهذه الدعوة فأن كنتم على دينهِ كما تزعمون فلماذا تعبدون الأصنام؟

36 - (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ) . في زمن إبراهيم كانوا يجعلون سَدَنَة للأصنام أي الخدم للأصنام من النساء الجميلات ، وكنّ يدعون الناس إلى عبادة الأصنام ، فقول إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ ) يعني النساء الّلاتي يخدمنَ الأصنام أضللنَ كثيراً من الناس بدعواهنّ إلى عبادة الأصنام ، وكذلك إيزابل دعت زوجها الملِك آخاب إلى عبادة الصنم المسمّى بعل فتبعها وضلّ عن طريق الحقّ ودعى قومه إلى عبادة الصنم أيضاً بعد أن سجدَ لهُ . (فَمَن تَبِعَنِي ) من الناس على نهجي وشريعتي (فَإِنَّهُ مِنِّي ) أي من أتباعي (وَمَنْ عَصَانِي ) في شيءٍ (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

37 - (رَّبَّنَا) وإنّما قال هنا ربّنا وهناك قال ربِّ ، أرادَ هو ومن تبعهُ (إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي ) أي أسكنتُ بعض أولادي ، وهو إسماعيل مع اُمّهِ هاجر وهو أكبر أولاده (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) يُريد وادي مكّة ، فلم يكن حينئذٍ بها ماء ولا زرع ولا ضرع (عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) أي العظيم الحُرمة ، وكانت اُسُس البيت ظاهرة وقد بناهُ آدم في الماضي وجدّدَ بناءهُ إبراهيم بعد أن تهدّم (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) أي أسكنتهم عند بيتك ليُداوموا على الصلاة (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) بالزيارة والتجارة والحجّ (وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) نِعمك عليهم .

القصّة : تزوّج إبراهيم بهاجر بعد زوجتهِ سارة فولدت لهُ إسماعيل فاغتمّت سارة وغارت من هاجر وقالت لإبراهيم أبعدها عنّي ، فأوحَى اللهُ إليهِ أن أسكِنْها وابنَكَ إسماعيل في مكّة قربَ بيتي المحرّم ، وكان إبراهيم حينئذٍ في الحجاز ، فذهب بهما إلى أرض مكّة وكانت خالية من الماء والنبات وترك لهما قِربة ماء وخبزاً ورجع ، وعند رجوعهِ قال ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) إلى آخر الآية . وبقيت هاجر ومعها إسماعيل وهو طفل ، فلمّا نفدَ ماء القِربةِ عطشَ إسماعيل فقامت هاجر في الوادي تطلب الماء ذاهبةً إلى الصفا راجعةً إلى المروة تنظر إلى السراب تظنّهُ ماءً وفعلت ذلك سبع مرّات ، فلمّا كان الشوط السابع وهيَ على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهرَ الماء من تحتِ رجليهِ فأقبلت عليه وجمعت حوله رملاً وكان الماء يجري فزمّتهُ بما جمعت حولهُ من الرمل ، فلذلك سُمّيت زمزم . وكانت قبيلة جُرهُم نازلة بذي المجاز وعرفات فلمّا ظهر الماء بمكّة عكفت الطير والوحش على الماء ، فنظرت جُرهُم إلى الطير تنزل على ذلك المكان فاتّبعوها حتّى نظروا إلى امرأة وصبيّ نزولٌ في ذلك المكان فسألوها عن سبب قعودها في هذا الوادي فأخبرتهم بقصّتها ، فقالوا لها : أتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكما ونسقي أنعامنا من هذه الماء ؟ فأذنت لهم بموجب شروط فنزلوا أرض مكّة وصاروا يسقون أنعامهم من تلك العين ويُعطونها من الأنعام بدل سقي أنعامهم . وقد جاءت قِصّة هاجر وإسماعيل في التوراة أيضاً وذلك في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين .

38 - (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ) أي ولا في الفضاء .

39 - (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء ) فيستجيبُ للموحّدين المطيعين .

40 - (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) أي واجعل من ذرّيتي اُناساً يقيمون الصلاة (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) أي وتقبّل منّي دُعائي الناس إلى عبادتك ، يعني تقبّل منّي هذا العمل الّذي أقوم بهِ وهو دُعائي إلى دينك وعبادتك وحدك . وإنّما قال " تَقَبَّلْ دُعَائي" ، ولم يقل تقبّل عبادتي ، لأنّ الدُعاء إلى دين الله أفضل من العبادة ، ولأنّ الدعوة إلى دين الله فيها مشقّات وإهانة من الناس ، ولكن العبادة وحدها ليس فيها أذىً من الناس .

41 - (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) بين الناس في المحشر ، يعني يومَ القيامة .

42 - (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ) أي يؤخّر عقابهم (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) يعني ليوم مماتهم وانتقالهم إلى عالم البرزخ عالم الأرواح ، لأنّ النفوس تبقى أبصارها شاخصة لا تدور يميناً وشمالاً كما كانت في الدنيا ، سواء كانت من الكافرين أو المؤمنين .

43 - (مُهْطِعِينَ) أي منقادين ومنصِتين لما يقوله ملَك الموت ، والشاهد على ذلك قول الشاعر :

                           بَدِجْلَةَ أهْلُهَا ولَقَدْ أُرَاهُمْ ..... بدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إلى السَّمَاعِ

يعني منصِتين (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) أي مطأطئي رؤوسهم إلى القاع خجلاً وتذلّلاً ، يعني إلى الأرض ، ومما يؤيد هذا قوله تعالى في سورة السجدة {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} .

(لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) أي لا تطبق جفون أبصارهم ثم تفتح كما كانوا في الدنيا ، يعني لا ترمش بل تبقى شاخصة إلى الأمام (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) يعني أفئدتهم فارغة من الدم ورئاتهم فارغة من الهواء فليس للنفوس شهيق وزفير لأنّ النفوس لا تأخذ الأوكسجين ولاتحتاج إلى استنشاق الهواء . لأنّ الهواء يؤذيها إذا استنشقت منه وتشعر بثقل في رئتيها ، فلذلك خصّ الله الزفير والشهيق للكافرين فقال تعالى في سورة هود {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} . وقد شرحتُ عن النفوس في كتابي الإنسان بعد الموت شرحاً وافياً ، وكذلك في كتابي ساعة قضيتها مع الأرواح .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم