كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
9 - (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) . القصد معناه الصلاح والرشاد ، والسبيل هو الطريق ، والمعنى على الله إرشادكم إلى طريق الحق بإرسال الرسل إليكم وعليكم الطاعة والتصديق ، ومن ذلك قول لبيد يمدح آباءه وأجداده الذين ماتوا فيقول :
مَضَوا سَلَفاً قَصدُ السَّبيلِ عَلَيهِمِ ..... بَهِيٌّ مِنَ السُّلاَّفِ لَيسَ بِحَيدَرِ
يعني مضَوا وكانوا مصلحين ومرشدين للناس . وقال طرفة :
وكيف تضلّ القصدَ والحقّ واضحٌ ..... ولِلحقِّ بين الصالحينَ سبيلُ
يقول الشاعر كيف تتعامى عن الرشاد والحق واضح ؟ وقال سراقة :
أبلغْ تميماً غثّها وسمينَها ..... والقولُ يقصِدُ تارةً ويجورُ
يعني تارةً يكون القول على هدَى وتارةً يكون على ضلال . وقال الأعشى :
أجِدَّكَ وَدّعْتَ الصِّبا وَالوَلائِدَا ..... وأصبحتَ بعدَ الجورِ فيهنّ قاصِدا
أي مرشداً . وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) . والمعنى : على الله إرشادكم إلى طريق الحق والصلاح وذلك بإنزال الوحي والكتب السماوية على الأنبياء والرسل لكي يُعلّموكم ويفهموكم ، والقصد من ذلك أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً ، فعلى الله بيان السبيل ولكم الاختيار إن أطعتم اهتديتم وإن عصيتم كفرتم . ومثلها في المعنى في سورة الإنسان قوله تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .
وقوله (وَمِنْهَا جَائِرٌ) يعني ومن السبل التي اتّخذتها الناس سبل ضالة عن طريق الحق . ومن ذلك قول جرير :
يا صاحبيّ سلا هذا الملمَّ بنا ..... أنّى اهتدَى وسوادُ الليل موكومُ
أعامداً جاءَ يَسري طولَ ليلتِهِ ... أم جائرٌ عن طريقِ القصدِ مَهيُومُ
فقول الشاعر هل جاء صاحبي قاصداً إليّ أم ضلّ الطريق فوصل نحوي صدفة ؟ وقال امرؤ القيس :
ومن الطريقة جائرٌ وهدىً ..... قصدُ السبيل ومنهُ ذو دَخَلِ
يعني بعضها ضالّة عن طريق الحق وبعضها هدىً وبعضها غشٌ وخديعة . (وَلَوْ شَاءَ) الله (لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) ولكن يهدي من كان أهلاً للهداية بحسن أخلاقه وعطفه على الفقراء والمساكين ، ويضلّ من يستحق الضلالة بسبب ظلمه وسوء أخلاقه .
10 - (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً ) يعني المطر (لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ ) تشربونهُ (وَمِنْهُ شَجَرٌ ) أي ومنهُ سقيٌ للشجر والنبات (فِيهِ تُسِيمُونَ ) أنعامكم ، أي ترعَون أنعامكم من غير كلفةٍ والتزام مؤونةٍ لعلفها ، ومن ذلك قول الشاعر :
وأَسْكُنُ ما سَكَنَتْ بِبَطْنِ وادٍ وأَظْعَنُ إنْ ظَعَنَتْ فَلا أُسِيْمُ
أي فلا أرعى الأنعام .
11 - (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ) أي دلالةً واضحة على خالقٍ خلق هذهِ الأنعام والأشجار والأثمار والنباتات وكلّها لمنافعكم فيجب أن تشكروهُ على هذهِ النِعم الّتي أنعمَ بها عليكم ولا تعبدوا غيرهُ إذ لا يستحقّ العِبادة غير الله الّذي بيّنَ آياتهِ (لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في هذه المخلوقات فيشكروا خالقها .
12 - (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللّيل وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ ) فتضيء لكم ليلاً (مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ ) التسخير (لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) فيُفكّرون ويدرسون عِلم الفلك .
13 - (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ ) أي وما خلقَ ونشرَ لكم في الأرض من نبات وحيوان (مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ) وأجناسهُ لا يشبهُ بعضهُ بعضاً من نبات وأزهار وأثمار ولا يمكن حصرها وعدّها (إِنَّ فِي ذَلِكَ ) النبات والأزهار والحيوان (لآيَةً) على أنّ لها خالقاً خلقها وعالِماً أبدعها (لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) أي يتّعِظون .
14 - (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ) أي ذَلّلَهُ لكم وسهّلَ لكم الطريق إلى ركوبهِ واستخراج ما فيهِ من المنافع (لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) وهو السمك (وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) هي اللّؤلؤ والمرجان (وَتَرَى الْفُلْكَ ) أي السُفُن والبواخر (مَوَاخِرَ فِيهِ ) أي جواري فيهِ بذهاب بعضها وإياب البعض الآخر ، تمخرُ الماء أي تشقّهُ بسيرها ولها أصوات من جرّاء اصطدامها بالماء والرياح (وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ) أي لتركبوها للتجارة وتطلبوا بذلك الرزق من فضلهِ (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الله على هذه النِعم .
15 - (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ ) هي الجبال ، وإنّما قال تعالى (وَأَلْقَى) لأنّ أوّل جبال صارت على الأرض كانت نيازك سقطت على الأرض فصارت جبالاً ، وقد شرحتُ عن الجبال وأقسامها في كتابي الكون والقرآن شرحاً وافياً (أَن تَمِيدَ بِكُمْ ) يعني لئلاّ تتمايل الأرض وتضطرب بكم ، ومن ذلك قول عنترة :
مُنَعَّمةُ الـأَطْرافِ خَوْدٌ كأَنَّها هِلالٌ على غُصْنٍ من البانِ مائِدِ
أي مائِلِ . والمعنى : جعل الله الجبال توازناً للأرض لتسير على نظام حول محورها وحول الشمس (وَ) جعل فيها (أَنْهَارًا وَسُبُلاً ) أي طُرُقاً (لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) إلى أماكنكم وإلى البلد الّذي تريدون الوصول إليهِ .
16 - (وَعَلامَاتٍ) يعني وجعل في الأرض علامات من تلول وجبال ووِديان وتغيير بُقعة الأرض من ترابيّة إلى رمليّة إلى حجريّة وإلى غير ذلك لئلاّ تضلّوا الطريق ولتهتدوا بها إلى أماكنكم (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) ليلاً إلى أماكنهم وإلى البلد الّذي يقصدونهُ ، فإنّ العرب الرُحّل إذا ساروا ليلاً في الصحارى يهتدون بالنجوم الثوابت في طريقهم حتّى يصلوا المكان الّذي يُريدونهُ ، والشاهد على ذلك قول لبيد :
وعانٍ فكَكْتُ الكَبلَ عنه ، وسُدفةٍ سَرَيْتُ وأصحابي هَدَيتُ بكوكبِ
سَرَيتُ بهِمْ حتّى تغيَّبَ نَجمُهُمْ وقال النَّعُوسُ نَوَّرَ الصُّبحُ فاذهبِ
وقال علقمة بن النعمان يُخاطب الحارث بن جبلة وقد قصَدهُ ليلاً على ناقتهِ :
هَدانِي إِلَيْكَ الفَرْقَدانِ وَلاحِبٌ لَهُ فَوْقَ أَصْواءِ المِتانِ عُلُوبُ
والفرقدان من النجوم الثوابت .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |