كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
19 - (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ) أي ومن أراد نعيم الآخرة (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ) يعني وعملَ الأعمال الصالحة وأطاع الله في أوامرِه (وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) بالله وبرُسُلهِ (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) يعني سعيهم مقبول وأجرهم موفور .
20 - (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء ) يعني كلّاً من الفريقين الكافرين والمؤمنين نمدّهم بالخيرات ولكن الكافر نُعطيه في الدنيا ، والمؤمن نُعطيه في الدنيا ونزيده في الآخرة (مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ) أي محصورا ، يعني عطاؤهُ في الدنيا عامّ للكافرين والمؤمنين ، ولكن في الآخرة خاصّ للمؤمنين .
21 - (انظُرْ) يا محمّد (كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) بالرزق ، فجعلنا بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء وبعضهم موالي وبعضهم عبيداً ، كذلك في الآخرة (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ ) للمؤمنين (وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) من مراتب الدنيا ، فينبغي أن تكون رغبتهم في الآخرة وسعيهم لها أكثر مِمّا يسعَون لدنياهم لينالوا الدرجات الرفيعة والمقام المحمود في الجنان العالية .
22 - (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ ) أيّها الإنسان (فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا ) في الآخرة بين النفوس (مَّخْذُولاً) بين الشياطين . قال الله تعالى في سورة الفرقان {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } ، يعني : تبقَى حقيراً ذليلاً لا مُساعد لك ولا ناصر ينصرك ويُخلّصك من عذاب الله .
23 - (وَقَضَى رَبُّكَ ) أي وحكم ربّك حُكماً قطعيّاً ، ومن ذلك قول عنترة :
جارُوا فَحَكَّمْنا الصَّوارِمَ بَيْنَنا فَقَضَتْ وأَطْرافُ الرِّماحِ شُهُودُ
(أَلاَّ تَعْبُدُواْ ) أحداً (إِلاَّ إِيَّاهُ ) وحدهُ ، يعني لا تعبدوا غيرهُ (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) يعني وحكم أيضاً أن تُحسِنوا مع الوالدينِ إحساناً (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ ) يعني كبر السنّ بطول العُمر (أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ) وهي كلمة تضجّر ، والمعنى : لا تؤذِهِما بقليل ولا بكثير ولا بالكلام (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ) أي ولا تزجرهما بكلمةٍ غليظة ولا صياح (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) أي وخاطبهما بكلامٍ رقيق جميل بتأدّب يكون فيهِ كرامة لهما .
24 - (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) أي وبالغ في التواضع والخضوع لهما قولاً وفعلاً بِرّاً بهما وشفقةً عليهما (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) يعني اُدعُ لهما بالمغفرة والرحمة في حياتهما وبعد مماتهما جزاءً لتربيتهما إيّاك .
25 - (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ) أي بما تضمرونهُ من البِرّ لهما أو العُقوق (إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ ) في أعمالكم طائعين لله فيما أمركم (فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ) أي للتائبين النادمين الراجعين إلى بِرّ الوالدَين غفوراً ، فالأوّابين يعني الراجعين ، ومن ذلك قول كعب بن سعد :
بِعَيْنّي أَوْ يُمَنَى يَدَيّ وقِيْلَ لِي هُوَ الغَانِمُ الجَذْلاَنُ يَوْمَ يَؤُوْبُ
يعني حين يرجعُ .
26 - (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) يعني أعطِ الفقراء من أقربائك حقّهم من الغنيمة والفَيء ، وذلك من قوله تعالى في سورة الأنفال {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } ، (وَالْمِسْكِينَ) أي وأعطِ الفقير حقّهُ الّذي أوجبهُ الله لهُ من الزكاة (وَابْنَ السَّبِيلِ) أي المسافر المنقطع أيضاً أعطِهِ حقّهُ (وَلاَ تُبَذِّرْ ) المال (تَبْذِيرًا) في الأرض . "التبذير" هو المال الّذي يتلف ويذهب فلا يستفيد منهُ أحد ، و"الإسراف" في الشيء تبذير ، والمال الّذي يُنفق في الباطل والحرام تبذير ومعصية .
27 - (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) يعني الّذينَ أنفقوا أموالهم في الباطل والمحرّمات هم إخوان الشياطين لأنّهم امتثلوا أمرهم وأتلفوا أموالهم في المحرّمات (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) أي مُنكِراً للجميل لأنّ الله أعطاهُ منزلَةً في الجنّة وقرّبهُ فلم يشكر الله على تلك المنزلة بل تكبّر على الملائكة ولَمّا أمرهُ بالسجود لآدم امتنعَ وعصَى ، فكذلك الّذينَ يُنفقونَ أموالهم في معصية الله فبدل أن يشكروهُ على نعمائهِ يعصونهُ .
28 - (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ) يعني وإن تُعرضْ عن هؤلاء الّذينَ أمرتك بإيتاء حقوقهم لأنّك تريد أن تسافر إلى الحجّ ولا يمكنك أن تعطيهم من نقودك لأنّها قليلة ، وذلك قوله تعالى (ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ) أي تريد أن تذهب إلى الحجّ لطلب المغفرة والرحمة (فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ) أي عِدهم وعداً حسناً فقل عند رجوعي من مكّة أعطيكم ما أتمكّن عليهِ من المال إن شاء الله .
29 - كانت للنبيّ (ع) جُبّة لابسها فأتاهُ رجل فقير يسأل لباساً فنزعَ جُبّتهُ وأعطاها للسائل فأصابهُ البرد إذ كان الوقتُ شتاءً ، فنزلت عليهِ هذه الآية (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) . هذا مثَل يُضرَب عند العرب فيقولون لمن كان بخيلاً "يدهُ مغلولة" ، ولمن كان كريماً "يدهُ مبسوطة" ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
حَسيبٌ يُنالُ المجدُ منهُ ببسْطةٍ ويعجُزُ عن إفضالهِ كلّ شَيْظَمِ
وقال جرير :
وباسِطُ خَيرٍ فيكُمُ بِيَمينِهِ وقابضُ شرٍّ عنكُمُ بِشِمالِهِ
والمعنى : لا تكنْ بخيلاً ولا تكنْ مُسرفاً بل كن مُتَوسّطاً بين هذا وذاك ، وهو الاقتصاد (فَتَقْعُدَ مَلُومًا ) عند الناس لأنّك أعطيتَ جُبّتك ولم يكن عندك غيرها فأصابك البرد (مَّحْسُورًا) من اللّباس ، أي عارياً .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |