كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
26 - (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) يعني أعطِ الفقراء من أقربائك حقّهم من الغنيمة والفَيء ، وذلك من قوله تعالى في سورة الأنفال {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } ، (وَالْمِسْكِينَ) أي وأعطِ الفقير حقّهُ الّذي أوجبهُ الله لهُ من الزكاة (وَابْنَ السَّبِيلِ) أي المسافر المنقطع أيضاً أعطِهِ حقّهُ (وَلاَ تُبَذِّرْ ) المال (تَبْذِيرًا) في الأرض . "التبذير" هو المال الّذي يتلف ويذهب فلا يستفيد منهُ أحد ، و"الإسراف" في الشيء تبذير ، والمال الّذي يُنفق في الباطل والحرام تبذير ومعصية .
27 - (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) يعني الّذينَ أنفقوا أموالهم في الباطل والمحرّمات هم إخوان الشياطين لأنّهم امتثلوا أمرهم وأتلفوا أموالهم في المحرّمات (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) أي مُنكِراً للجميل لأنّ الله أعطاهُ منزلَةً في الجنّة وقرّبهُ فلم يشكر الله على تلك المنزلة بل تكبّر على الملائكة ولَمّا أمرهُ بالسجود لآدم امتنعَ وعصَى ، فكذلك الّذينَ يُنفقونَ أموالهم في معصية الله فبدل أن يشكروهُ على نعمائهِ يعصونهُ .
28 - (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ) يعني وإن تُعرضْ عن هؤلاء الّذينَ أمرتك بإيتاء حقوقهم لأنّك تريد أن تسافر إلى الحجّ ولا يمكنك أن تعطيهم من نقودك لأنّها قليلة ، وذلك قوله تعالى (ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ) أي تريد أن تذهب إلى الحجّ لطلب المغفرة والرحمة (فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ) أي عِدهم وعداً حسناً فقل عند رجوعي من مكّة أعطيكم ما أتمكّن عليهِ من المال إن شاء الله .
29 - كانت للنبيّ (ع) جُبّة لابسها فأتاهُ رجل فقير يسأل لباساً فنزعَ جُبّتهُ وأعطاها للسائل فأصابهُ البرد إذ كان الوقتُ شتاءً ، فنزلت عليهِ هذه الآية (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) . هذا مثَل يُضرَب عند العرب فيقولون لمن كان بخيلاً "يدهُ مغلولة" ، ولمن كان كريماً "يدهُ مبسوطة" ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
حَسيبٌ يُنالُ المجدُ منهُ ببسْطةٍ ويعجُزُ عن إفضالهِ كلّ شَيْظَمِ
وقال جرير :
وباسِطُ خَيرٍ فيكُمُ بِيَمينِهِ وقابضُ شرٍّ عنكُمُ بِشِمالِهِ
والمعنى : لا تكنْ بخيلاً ولا تكنْ مُسرفاً بل كن مُتَوسّطاً بين هذا وذاك ، وهو الاقتصاد (فَتَقْعُدَ مَلُومًا ) عند الناس لأنّك أعطيتَ جُبّتك ولم يكن عندك غيرها فأصابك البرد (مَّحْسُورًا) من اللّباس ، أي عارياً .
30 - (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ) يعني يوسّع مرّةً ويُضيّقُ اُخرى ليختبرهم هل يشكرون على السِعةِ ويصبرون على التقتير أم يكفرون (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) أي عالماً بأحوالهم بصيراً بمصالحهم فيبسط الرزق على بعضهم ويُضيّقُ على آخرين على ما يراهُ من الصلاح .
31 - كان بعض الناس في زمن الجاهليّة إذا وُلِدَت لهُ بنتٌ قتلها خوف العار ، وكان بعض الفقراء يقتلها لئلاّ تزداد عائلته فلا يتمكّن أن يُعيلهم ، أو يقتل الجنين الّذي في بطن زوجتهِ بإسقاطهِ قبل إكمال شهوره . ولا غرابة من ذلك ففي عصرنا كثيرٌ من الناس يُسقطون جنينهم قبل ولادتهِ لغاياتٍ شتّى ، وكان بعضهم يقتل أولاد الناس إذا اختلى بأحدهم ويسلب ما عنده من مال أو أدوات الزينة المصنوعة من الذهب أو الفضّة ، وهذا معنى قوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) أي خوف الفقر ، ومن ذلك قول الشاعر :
وَإِنِّي عَلَى الْإِمْلَاقِ يَا قَوْمِ مَاجِدٌ أُعِدُّ لِأَضْيَافِي الشِّوَاءَ الْمُضَهَّبَا
وكلمة " أولاد" تُطلق على كلّ مولود سواء ذكراً كان أم اُنثى (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ) يعني نحنُ نرزقهم وليس أنتم فلماذا تقتلونهم (إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ) أي ذنباً عظيماً .
32 - (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) يعني لا تقربوا النساء بقصد الزِنا ، و"الزِن" وطء المرأة حراماً بلا عقد (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) أي كان ولايزال فاحشة ، والفاحشة معناها العمل القبيح الّذي يُصيب صاحبهُ العار (وَسَاء سَبِيلاً ) أي وبئسَ الطريقة طريقة الزِنا لأنّها تقطع الأنساب وتبطل المواريث وتقطع صِلة الرحم وتمنع حقوق الآباء على الأولاد .
33 - (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ) يعني إلاّ الّذي وجب عليه القتل بسبب جريمة ارتكبها (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا ) بغير حقّ (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) أي جعلنا لوارثهِ تسلّطاً على القاتل بالقِصاص (فَلاَ يُسْرِف ) الوليّ (فِّي الْقَتْلِ ) فيقتل اثنين بدل الواحد أو يقتُل غير القاتل (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) على خصمهِ فلا يستعجل فيقتل غير القاتل .
وهُنا أذكر نادرة بالمناسَبة سمعتها فأقول :
أفراد شرطة ذهبوا من بغداد إلى الموصل ومعهم موقوفون سلّموهم إلى شرطة الموصل ولَمّا أرادوا الرجوع إلى بغداد رأوا رجُلاً في محطّة القطار يُريد الذهاب إلى بغداد ولكن لا تكفي نقوده لشراء بطاقة السفر في القطار ، فقالوا لهُ إركب معنا في القطار ونضع الحديد في يديكَ (كلبجة) فإذا جاءَ صاحب التذاكر نقول له هذا مسجون أرسلتهُ المحاكم معنا إلى بغداد ، فيتركك وينصرف ، ثمّ نحلّ الحديد من يديك بعد ذهابهِ عنّا ، فوافق الرجل بذلك وركبَ مهم في القطار فوضعوا الحديد في يديهِ وقفلوه ، وسار القطار ونجحت الخطّة ولَمّا صاروا في بعض الطريق أخرج الشرطي الّذي عنده المفتاح رأسهُ من الشبّاك لينظر شيئاً في الصحراء والقطار يسير بسرعة سقط المفتاح من يدهِ في الصحراء وبقيت يدا الرجل في الحديد وهو مُقفل ، فحاولوا أن يفتحوهُ بدون مفتاح فلم يتمكّنوا ، فقالت لهُ الشرطة إذا وصلنا إلى بغداد نذهب بك إلى أحد الحدّادين فيفتح القُفل من يديك ، فلمّا وصلوا بغداد أخذوهُ إلى أحد الحدّادين وقالوا له إفتح هذا القفل من يد الرجُل ، فلمّا رآهُ الحدّاد عرفهُ وقبض عليه وقال للشرطة هذا الرجل قتل أبي وهرب منذُ بضع سنين وفتّشتُ عنهُ فلم أجدْهُ والآن جاءني برجله إذهبوا بنا إلى مدير الشرطة ولا تفتحوا الحديد من يديهِ ، فذهبوا بهما إلى مفوّض التحقيق وأثبتَ الحدّاد دعواهُ على الرجل في المحاكمة واقتصّ منهُ . فهذهِ الحادثة أتت مصداقاً لقولهِ تعالى (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |