كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإسراء من الآية( 31) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

31 - كان بعض الناس في زمن الجاهليّة إذا وُلِدَت لهُ بنتٌ قتلها خوف العار ، وكان بعض الفقراء يقتلها لئلاّ تزداد عائلته فلا يتمكّن أن يُعيلهم ، أو يقتل الجنين الّذي في بطن زوجتهِ بإسقاطهِ قبل إكمال شهوره . ولا غرابة من ذلك ففي عصرنا كثيرٌ من الناس يُسقطون جنينهم قبل ولادتهِ لغاياتٍ شتّى ، وكان بعضهم يقتل أولاد الناس إذا اختلى بأحدهم ويسلب ما عنده من مال أو أدوات الزينة المصنوعة من الذهب أو الفضّة ، وهذا معنى قوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) أي خوف الفقر ، ومن ذلك قول الشاعر :

                              وَإِنِّي عَلَى الْإِمْلَاقِ يَا قَوْمِ مَاجِدٌ       أُعِدُّ لِأَضْيَافِي الشِّوَاءَ الْمُضَهَّبَا

وكلمة " أولاد" تُطلق على كلّ مولود سواء ذكراً كان أم اُنثى (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ) يعني نحنُ نرزقهم وليس أنتم فلماذا تقتلونهم (إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ) أي ذنباً عظيماً .

32 - (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) يعني لا تقربوا النساء بقصد الزِنا ، و"الزِن" وطء المرأة حراماً بلا عقد (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) أي كان ولايزال فاحشة ، والفاحشة معناها العمل القبيح الّذي يُصيب صاحبهُ العار (وَسَاء سَبِيلاً ) أي وبئسَ الطريقة طريقة الزِنا لأنّها تقطع الأنساب وتبطل المواريث وتقطع صِلة الرحم وتمنع حقوق الآباء على الأولاد .

33 - (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ) يعني إلاّ الّذي وجب عليه القتل بسبب جريمة ارتكبها (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا ) بغير حقّ (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) أي جعلنا لوارثهِ تسلّطاً على القاتل بالقِصاص (فَلاَ يُسْرِف ) الوليّ (فِّي الْقَتْلِ ) فيقتل اثنين بدل الواحد أو يقتُل غير القاتل (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) على خصمهِ فلا يستعجل فيقتل غير القاتل .

وهُنا أذكر نادرة بالمناسَبة سمعتها فأقول :

أفراد شرطة ذهبوا من بغداد إلى الموصل ومعهم موقوفون سلّموهم إلى شرطة الموصل ولَمّا أرادوا الرجوع إلى بغداد رأوا رجُلاً في محطّة القطار يُريد الذهاب إلى بغداد ولكن لا تكفي نقوده لشراء بطاقة السفر في القطار ، فقالوا لهُ إركب معنا في القطار ونضع الحديد في يديكَ (كلبجة) فإذا جاءَ صاحب التذاكر نقول له هذا مسجون أرسلتهُ المحاكم معنا إلى بغداد ، فيتركك وينصرف ، ثمّ نحلّ الحديد من يديك بعد ذهابهِ عنّا ، فوافق الرجل بذلك وركبَ مهم في القطار فوضعوا الحديد في يديهِ وقفلوه ، وسار القطار ونجحت الخطّة ولَمّا صاروا في بعض الطريق أخرج الشرطي الّذي عنده المفتاح رأسهُ من الشبّاك لينظر شيئاً في الصحراء والقطار يسير بسرعة سقط المفتاح من يدهِ في الصحراء وبقيت يدا الرجل في الحديد وهو مُقفل ، فحاولوا أن يفتحوهُ بدون مفتاح فلم يتمكّنوا ، فقالت لهُ الشرطة إذا وصلنا إلى بغداد نذهب بك إلى أحد الحدّادين فيفتح القُفل من يديك ، فلمّا وصلوا بغداد أخذوهُ إلى أحد الحدّادين وقالوا له إفتح هذا القفل من يد الرجُل ، فلمّا رآهُ الحدّاد عرفهُ وقبض عليه وقال للشرطة هذا الرجل قتل أبي وهرب منذُ بضع سنين وفتّشتُ عنهُ فلم أجدْهُ والآن جاءني برجله إذهبوا بنا إلى مدير الشرطة ولا تفتحوا الحديد من يديهِ ، فذهبوا بهما إلى مفوّض التحقيق وأثبتَ الحدّاد دعواهُ على الرجل في المحاكمة واقتصّ منهُ . فهذهِ الحادثة أتت مصداقاً لقولهِ تعالى (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) .

34 - (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) سبق تفسيرها في سورة الأنعام في آية 152 ، (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ) إذا عاهدتم (إِنَّ) صاحب (الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) عنهُ .

35 - (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ) للناس (وَزِنُواْ) إذا وزنتم (بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ) أي بالعِيار المتقَن الثابت الّذي لا زيادة فيهِ ولا نُقصان . "القسطاس" هو الحدائد الّتي توضَع في كفّةِ الميزان مُقابلها الشيء المراد وزنهُ ، والشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني :


                             تَخِفُّ الأرضُ إن تَفقِدكَ يوْماً      وتَبقَى ما بَقيتَ بها ثَقيلا
                             لأنّكَ موضِعُ القُسطاسِ منها      فَتمنَعُ جانِبَيْها أنْ تَمِيلا

(ذَلِكَ) الوفاءُ بالكيل والوزنُ بالعدل بلا نقصان (خَيْرٌ) لكم في الدنيا عند الناس لأنّه يكسب إسم الأمانة وتزداد عليهِ الناس بالشراء (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) أي وأحسن تبياناً على أمانتهِ فيحسُن حاله ويزداد ماله وينتشر صيته بين الناس بالأمانة . وقد سبق معنى "التأويل" في سورة الأعراف .

36 - (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) . "التقفّي" هو اتّباع أقفية الناس ، ومن ذلك قول الأعشى :

                         يقُلنَ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِكَ مُرَّةٌ      وهُنَّ إذا قَفَّيْنَ عَنْكَ ذَواهِلُ

والمعنى : لا تتّبعْ أيّها الإنسان أدبار الناس وتكشف عوراتهم بل استر عورة أخيك المسلِم ولا تفضحْهُ ، ونظيرها في سورة الحجرات قوله تعالى {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا } ، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) . السمع والبصر والفؤاد كلّها من حواسّ النفس ، والمعنى : تُسأل النفس يوم القيامة لا الجسم . وقد شرحتُ هذا البحث في كتابي الإنسان بعد الموت .

37 - (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ) أي فخوراً مُتكبّراً (إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ ) أي لن تشقّ الأرض بضرب قدمك عليها عند المشي وقوّتك فوقها بل أنت ضعيف عاجز (وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ) فتتطاول وتتكبّر وترفع رأسك مفتخراً بمالك وقوّتك .

38 - (كُلُّ ذَلِكَ ) الّذي منعناك عن فعلهِ ، وهيَ خمس وعشرون خِصلة من قوله تعالى (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ ) إلى آخرها (كَانَ سَيِّئُهُ ) أصلها (كَانَ سَيِّئةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) وذلك لأنّ الكتابة لم تكن مُنقّطة في بادئ الأمر ، ولَمّا نقّطوها بعد زمن تركوا هذه التاء بلا نُقَط لظنّهم أنّها هاء .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم