كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
58 - (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ ) يعني ولا من قريةٍ على وجه الأرض (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا ) بالحرّ والعطش وذلك لمن يكون في جهة النهار (قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وذلك حين وقوف الأرض عن دورتها المحوريّة فيكون ليلٌ دائم في جهةٍ منها لا يعقبهُ نهار ، وفي الجهة الاُخرى نهارٌ دائم لا يعقبهُ ليل (أَوْ مُعَذِّبُوهَا ) بالجوع والبرد (عَذَابًا شَدِيدًا ) وهذا لمن يكون في جهة اللّيل (كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) أي كتبناهُ في اللّوح المحفوظ فهو كائنٌ لا محالة . وإنّما قال تعالى (أَوْ مُعَذِّبُوهَا ) لأنّ المؤمنين يصعدون إلى السماوات في ذلك اليوم ، يعني نفوسهم تصعد ولا يبقى على الأرض إلاّ الكافرون والمشركون والمنافقون فلذلك يُعذّبون بالجوع والبرد حتّى يموتوا . أمّا الّذينَ يسكنون في جهة النهار فيهلكون بالحرّ والعطش ، وهذا الحادث يقع قبل يوم القيامة . وقد سبق تفسيرها في كتابي الكون والقرآن .
59 - (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ) الرسل (بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) والمعنى : إنّ السبب الذي منعنا أن نرسل رسولاً بمعجزة مادية هم الأولون الذين كذّبوا بالمعاجز وقالوا سحر مبين ، فإن أعطيناكم معجزة مادية على يد محمد كما طلبتم ورأيتموها بأعينكم لقلتم هذا سحر مبين كما قالت أسلافكم ، فحينئذٍ يجب علينا إهلاككم (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ) أية (مُبْصِرَةً) أي واضحة كما اقترحوا على رسولهم (فَظَلَمُوا) أنفسهم (بِهَا) أي بسببها إذ قتلوها فأهلكناهم (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ) أي بالمعجزات (إِلَّا تَخْوِيفًا) لتلك الأمة كما أرسلنا موسى بتسع آيات تخويفاً لفرعون وملئه .
60 - (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ) لا فائدة في المعاجز المادية حيث (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) عِلماً وعرف عاداتهم وتقاليدهم فلو أعطيناك معجزة مادية كعصا موسى وناقة صالح لكذّب بها قومك ولقالوا هذا سحر مبين، ولوجب علينا إهلاكهم ، ولذلك قلنا لك أدعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة واترك المعاجز المادية ، أنظر كيف دخلوا في دين الله أفواجاً بالمعجزة العلمية التي أنزلناها عليك وهي القرآن .
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ) عياناً ليلة المعراج ، يعني ما رآه في السماوات وقت عروجه (إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) يعني اختباراً للناس فنعلم من يثبت على إيمانه ويصدّق ومن يكذّب بها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) التي ذُكِرَت (فِي الْقُرْآنِ) وهي شجرة توت العليق التي أكل منها آدم فطُرِد من الجنة بسببها فهي أيضاً فتنة له ، أي إختباراً . أمّا قوله تعالى (الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) يعني المبعدة ، وذلك قوله تعالى { وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ } . ثم قلعها آدم ورمى بها من فوق الجبل إلى الوادي وأبعدها عنه بعد حادثة الأكل . فاللعن معناه الطرد والإبعاد ، ومن ذلك قول الأعشى:
ولانَـلـعنُ الأضـيافَ إنْ نـَزَلُوا بِنَـا ولا يـَمْنَعُ الـكَـْومَاءَ منّـا نَصِيرُهَــا
فقول الشاعر "ولا نلعن الأضياف" ، يعني لا نطردهم ولا نبعدهم عن منزلنا . (وَنُخَوِّفُهُمْ) بالعذاب (فَمَا يَزِيدُهُمْ) تخويفنا (إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) .
وإليك بعض ما شاهدتُ بنفسي في بعض الأيّام كنتُ في دار ولدي مصطفَى في الحلّة أسقي الأشجار الّتي في حديقة الدار فوقع نظري على مزهريّة وكان فيها نوع من الصبر (صُبّير) وهو نبات ذو أشواك كثيرة وهو مُستدير الشكل لهُ أضلاع ، وإذا بحيّتَينِ في المزهريّة قد رفعتا رأسيهما وانتصبتا ، فلمّا دنَوتُ من المزهريّة وأمعنتُ النظر فيهما وإذا بفرعين نبتا من الصبرة ولهما رأسان يُشبهان رأس الحيّة تماماً وهُما مُرقّطان بلون أسود كالحيّة تماماً ، فعجبتُ من ذلك المنظر ودعوتُ من كان في الدار إلى مُشاهدة ذلك ، وتذكّرتُ قوله تعالى [في سورة الصافات ] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ } . والصبّير أنواع كثيرة منها المستطيل ومنها المستدير وغير ذلك وكلّها ذات أشواك ، ومنها يوضع في أطراف البساتين كسياج مانع لدخول الناس أو الدوابّ لتلك البستان
61 - (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ ) سبق تفسيرها في سورة البقرة (قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) أي كيف أسجدُ لهُ وأنا أفضل منهُ وأصْلي أفضلُ من أصْلهِ لأنّك خلقتني من الغازات الخارجة من النار ، وخلقت آدم من الطين المنتَنّ .
62 - (قَالَ) إبليس (أَرَأَيْتَكَ) ياربّ (هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) أي الّذي فضّلتهُ عليّ وأمرتني بالسجود لهُ ، ومعناهُ أخبرني لأيّ سبب كرّمتَ آدم عليّ قبل أن يعبدك وقبل أن تصدر منهُ خِدمة في سبيلك ، وأنا عبدتك مئات السنين فرضيتَ عنّي وأدخلتني جنّاتك وجعلتني رئيساً على الملائكة فلماذا تطردني الآن ؟ (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ) أي لأستأصِلنّ (ذُرِّيَّتَهُ) بالإغواء (إَلاَّ قَلِيلاً ) منهم ، وهم المخلصون لله في العبادة . و"الاحتناك" معناهُ الاقتطاع من الأصل ، يُقال "إحتنكَ الجرادُ الزرعَ " إذا أكلهُ كلّهُ .
63 - (قَالَ) الله تعالى (اذْهَبْ) من الجنان الأثيريّة إلى الأرض (فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ) أي من أولاد آدم (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا ) أي يزداد لكم العذاب فيها حيناً بعد حين ، و"الوفرة" معناها الكثرة .
64 - (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ ) أي خوّفهم بصوتك وأزعجهم بمنظرك وخيلك . والشاهد على ذلك قول علقمة :
فَقُلْتُ لَها فِيئِي فَما تَسْتَفِزُّنِي ذَواتُ العُيُونِ والبَنانِ الْمُخَضَّبِ
يقول الشاعر لا يُزعجنَنِي مهما فعلنَ معي من مكروه . وهذا الاستفزاز يكون حين موت الكافر والمشرك تأتي إليهِ الشياطين فيصرخون بهِ ويخوّفونهُ ويربطونهُ بسلاسل ويأخذونهُ معهم فيبقَى في عالم النفوس تحتَ سُلطتهم فيكون خادماً للشياطين مُنقاداً لأوامرهم ، هذا إن كان ذلك الكافر جباناً ، أمّا إذا كان شجاعاً لا يرهب الثلاثة والأربعة فيأتيهِ جمعٌ من الشياطين بأسلحتهم وخيلهم فيصرخون بهِ ويُرهِبونهُ فينقاد لهم ويذهب معهم فيكون خادماً عندهم . وذلك قوله تعالى (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) أي بخيّالتك ورجّالتك ، يعني الخيّالة والمشاة ،
ومن ذلك قول امرئ القيس :
فَلْيَأْتِ وَسْطَ قِبابِهِ خِيَمِي وَليَأْتِ وَسْطَ خَمِيسِهِ رَجْلِي
فالجيش كان يُسمّى قديماً خميس ، وقوله "رَجلي" أي جيشي من الرجّالة وهم المشاة .
وقوله تعالى (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) أي في عالم النفوس يُشاركهم بذلك . وقد قلتُ فيما سبق وفي كتابي الإنسان بعد الموت أنّ كلّ شيء مادّي يتكوّن داخلهُ هيكل أثيري مِثلهُ ، فإذا تحطّم المادّي فإنّ الأثيري يبقَى لا يتحطّم ، وبعبارة اُخرى : كلّ شيء له روح حتّى الأشجار والأثمار والأواني والأسِرّة وغير ذلك ، فمن جملة الأموال التي يشاركهم بها الشيطان هي الخيل ، فإن كان لأحد من المشركين أو الكافرين خيلٌ ثمّ ماتت فإنّ الشياطين تأخذُ أرواحها وتركبها ، وكذلك الأثاث والمتاع الذي تتركه الملائكة لرداءته ولا تأخذهُ إلى الجنان تستولي عليه الشياطين . أمّا مُشاركتهم في الأولاد فإنّهم يأخذون أولاد الكافرين الّذينَ بلغوا الرُشد في الدنيا وكانوا سائرين على نهج آبائهم فيأخذونهم بعد موتهم ليخدموهم في عالم النفوس ، أمّا الأولاد الصغار الّذينَ لم يبلغوا الرُشد فيكونون خدماً لأهل الجنّة . (وَعِدْهُمْ) في الدنيا بما يشتهون (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ) . وإنّما لا نراهم لإنّهم أثيريون ، ولا نسمع أصواتهم لأنّ ذبذبات أصواتهم تختلف عن ذبذبات أصوات الأحياء منّا فلذلك لا نراهم ولا نسمع أصواتهم ، أمّا الأموات منّا فيرونهم ويسمعونهم . وقد رأيتُ بعض الجنّ في الدنيا وسمعتُ أصواتهم ، ورأيتُ بعض الجنّ في عالم الأرواح ورأيتُ لهم حوافر كحوافر الخيل وليس لهم أقدام كأقدام البشر .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |