كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الإسراء من الآية( 96) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

96 - (قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) يعني إنّ الله يعلمُ ويرى بأنّي بلّغتُ وأنذرتُ وأنتم عاندتم ولم تسمعوا لقولي (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) لا يخفَى عليهِ شيء من أحوالكم .

97 - (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) لا يتمكّن أحد من الناس أن يُضلّهُ (وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء ) يهدونهم (مِن دُونِهِ ) أي غير الله هادياً (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) مُتّجهين (عَلَى وُجُوهِهِمْ ) إلى جهنّم بلا مُحاكمة ولا عِتاب (عُمْيًا) عن طريق الخروج منها (وَبُكْمًا) عن النطق بالاعتذار (وَصُمًّا) عن استماع الطرب وأصوات الفرح (مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) يأوون إليها ويسكنون فيها (كُلَّمَا خَبَتْ ) أي كلّما سكنت النار وهدأت ، والشاهد على ذلك قولُ عديّ بن زيد :

                                   وَسْطُه كاليَراعِ أَو سُرُجِ الْمَجْ === دلِ حِيناً يَخْبُو وحِيناً يُنِيرُ

وقال الآخر :
                                      وكُنَّا كَالحَرِيقِ أَصابَ غاباً      فَيَخْبُو ساعَةً ويُنِيرُ ساعا

وقال حسّان :
                                     مَتَى تَرَنَا الأَوْسُ فِي بَيْضِنا      نَهُزّ القَنا تَخْبُ نِيرانُها


(زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) .

98 - (ذَلِكَ) العِقاب (جَزَآؤُهُم) استحقّوهُ (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنّهم (كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ ) مُنكرين للبعث والعقاب (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) . فردّ الله تعالى عليهم قولهم فقال :

99 - (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) أي الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض مع ما فيهما من أنواع المخلوقات (قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) . فتأمّل أيّها القارئ إلى قوله تعالى (أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) ، ولم يقل يُعيد خلقهم ، لأنّ إعادة الأجسام الميّتة لا فائدة منها لأنّ النفس هيَ الإنسان الحقيقي . والمعنى : كما خلقهم من مُركّبات عناصر أرضيّة كذلك قادر على إعادة تلك الرِمم إلى الحياة مرّةً اُخرى بأن يُنشئ فيها نفوساً اُخرى غير الّتي نشأت أوّل مرّة . ولَمّا تبيّن أنّ الله تعالى إذا أعادَ الأجسام إلى الحياة ينشئ فيها نفوساً اُخرى صار غير واجب عليهِ إعادتها إلى الحياة ثانيةً فإن شاء أعادها وإن لم يشأ لا يُعيدها بل يخلق غيرها ، ولذلك قال تعالى في سورة عبس {ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ } . (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً ) أي أمهلهم ليفكّروا ويتشاوروا لكي يعرفوا الحقّ فيتّبعوهُ ، ومدّة الوقت لإمهالهم إلى يوم مماتهم ، وبعده لا تُقبل توبتهم ولا إيمانهم وليس لهم عُذرٌ بعد ذلك ، وهذا الأجل (لاَّ رَيْبَ فِيهِ ) أي لا شكّ فيهِ ، إذ لا أحد يشكّ بالموت فكلّ الناس تموت (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا ) يعني إلاّ إنكاراً وجحوداً للحقّ .

100 - (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ) من الرزق والمطر وغير ذلك (إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ ) عن نشرها وبخلتم بها على الناس (خَشْيَةَ الإِنفَاقِ ) أي خوفاً من نفادها بالإنفاق ، والمعنى : إنّ الّذينَ طلبوا منك أن تفجّرَ لهم من الأرض ينبوعاً أرادوا بهِ توسعة الرزق عليهم فهم من الشحّ لو ملكوا خزائن الله لبخلوا بها (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ) أي قليل الإنفاق شحيحاً في العطاء ، يُقال "قتّرَ زيدٌ على عيالهِ" إذا بخِلَ عليهم بالإنفاق ، ومن ذلك قول الخنساء :

                                   لِيَبْكِهِ مُقْتِرٌ أفْنَى حَرِيبَتَهُ      دَهْرٌ وحالَفَهُ بُؤْسٌ وإقْتارُ

101 - (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) أي تسع معجزات ولم يصدّق بها فرعون ولم يؤمن بل قال له أنت ساحر . فكيف يؤمن قومك يا محمد بمعجزة واحدة ويصدّقونك عليها فاترك سؤالك للمعجزة ، وإذا لم يطمئنّ قلبك بهذا (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) عن ذلك (إِذْ جَاءَهُمْ) موسى (فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا) أي سحروك فجُنِنت .

102 - (قَالَ) موسى (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون (مَا أَنزَلَ هَـٰؤُلَاءِ) الأصنام التي تحسبونها آلهة (إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) يعني لم تنزل الأصنام بصائر للناس ولا أدلّة على أنّها آلهة إلّا ربّ السماوات والأرض فإنّه أنزل بصائر للناس وكتباً سماوية وبراهين وأرسل رسلاً وأنبياء وهداة فأيّهما أحقُ أن يُتّبع ؟ فالبصائر جمع بصيرة ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} .

(وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) أي هالكاً بسبب كفرك وظلمك وعنادك . ومن ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَّا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} . والمعنى يدعون على أنفسهم بالموت ليتخلّصوا من العذاب .

103 - (فَأَرَادَ) فرعون (أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ ) أي أرادَ أن يُزعجهم ويخوّفهم لئلاّ يخرجوا من أرض مصر ليخدموا قومه ، ومن بعض تخويفهِ لموسى قوله في سورة الشعراء {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } ، (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ ) من الجند (جَمِيعًا) في البحر الأحمر.

104 - (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ ) أي أرض كنعان وفلسطين (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ ) يعني وعد المرّة الأخيرة من فسادكم (جِئْنَا بِكُمْ ) إلى فلسطين (لَفِيفًا) من كلّ قطرٍ من أقطار الأرض ليكون هلاككم فيها على يد المهدي . و"اللّفيف" معناهُ الجمع الكثير على اختلاف أماكنهم وأنسابهم ولُغاتهم ، وقد جاؤوا في هذا العصر إلى فلسطين من كلّ قطرٍ من أقطار الأرض تاركين بلادهم مُجتمعين في فلسطين بلفيفهم وتعدّد لُغاتهم ، واتّضحَ معنى قوله تعالى (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ) فقد حان وقت إهلاكهم وتخليص البشر من شرّهم بعون اللهِ تعالى .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم