كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
25 - (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) بعد موتهم (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) وهذه المدّة من وقت موتهم إلى حين نزول هذه الآيات ، فقالت النصارى للنبي (ع) من أين جاءت التسعة الزائدة وقد كان تاريخ مماتهم ثلاثمائة سنة بلا زيادة ولا نقصان ؟ فنزل قوله تعالى :
26 - (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) . وبقي الأمر مجهولاً بين النصارى والقرآن فالنصارى تقول ثلاث مائة سنة بلا زيادة ، والقرآن يقول وازدادوا تسعاً ، حتّى هذا الزمن فظهر أمرها وبان سرّها وهو أنّ الفرق بين الأشهر القمريّة والأشهر الشمسية ثلاث سنين لكل مائة سنة ، فتكون الزيادة تسع سنوات بحساب الأشهر الشمسية على القمرية184 ،
وقوله (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) أي بصّر الناس بأعمال الله وأسمعهم بأفعاله ليعرفوا قدرته فيعظّموه ويقدّسوه (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ) يتولى أمرهم وشؤونهم (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) يوم القيامة (أَحَدًا) والمعنى لا تجعلوا لله شريكاً ولا شفيعاً لكم عند الله يوم القيامة فالحكم في ذلك له وحده لا يشرك في حكمه بين خلقه أحداً من الملائكة ولا من الأنبياء والمرسلين . ومما يؤيد هذا قوله تعالى في سورة البقرة {فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} .
وقد عُثرَ على الكهف في زمن الأيّوبيّين وجدّدوا بناء المسجد الّذي فوق الكهف ثمّ تُرِكَ وتهدّم بعد مرور السنين واندثر المسجد ، وفي سنة 1963 ميلاديّة قامت دائرة الآثار الأردنيّة بالتنقيب وكشفت عن المسجد والكهف فوجدت ما يدلّ على صِحّةِ ذلك ، وأنّ الكهف هو مقبرة لهم ، ووجدت لوحاً من الحجر مكتوب عليه : بسمِ اللهِ الرحمانِ الرحيم ، هذا ما أمرَ بهِ الأمير هيبة لتجديد واجهات الكهف ... وقد جدّد عمارته على مسجد كهفهم أحمد بن حوّه سنة 227 هج .
27 - (وَاتْلُ) يا محمّد ، أي اقرأ عليهم (مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ) أي ممّا كتبهُ الله في اللّوح المحفوظ من قصص الأنبياء وأقوامهم السالفة (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) أي لا تُبَدِّلْ آية من القرآن ولا كلمة واحدة ممّا اقترحوا عليك ولا تسمع لقولهم إذْ قالوا {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ } ، فإن فعلتَ فلا تَنجُ من عقابهِ (وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) أي لن تجد لِحداً تلتحد فيه وتختفي بهِ عن أبصارنا إذا بدّلتَ شيئاً من كلمات ربّك .
28 - (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ) أي صبِّرْ نفسك (مَعَ الّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) أي يذكرون الله بالصلاة مرّة وبالدعاء مرّة وبالتسبيح اُخرى فلا ينسَونهُ بل يذكرونه على الدوام (يُرِيدُونَ) بذلك (وَجْهَهُ) أي يريدون الجنّة الّتي هي في جهتهِ وفي جوارِه في السماوات الأثيريّة ، فالوجه في لسان العرب معناه الجِهة (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) بالنظر إلى غيرهم (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أي مريداً مجالسة أهل الشرف والغِنَى ، وكان النبيّ (ع) حريصاً على إيمان رؤساء العرب طمعاً في إيمان أتباعهم وكان يلينُ لهم في الكلام فعوتِبَ بهذه الآية واُمِرَ بالإقبال على فقراء المؤمنين (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ) بسبب تكبّرِه على الفقراء وظلمهِ للضُعفاء (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) في عبادة الأصنام والملائكة وغيرهم (وَكَانَ أَمْرُهُ ) في عبادتهم (فُرُطًا) أي ضياعاً ، يعني وكان مالهُ وأتعابه وخدمته في سبيل الأصنام ضياعاً لا يستفيد منها شيئاً بل يُعاقَب عليها .
29 - (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ) أي قل لهؤلاء المشركين المعاندين إنّ القرآن حقّ وهو مُنزَل من ربّكم (فَمَن شَاءَ ) الإيمان (فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء ) الكفرَ (فَلْيَكْفُرْ) فإنّ الله لا ينفعهُ إيمان من آمَنَ ولا يضرّهُ كُفرُ مَن كَفَر (إِنَّا أَعْتَدْنَا ) أي هيّأنا (لِلظَّالِمِينَ) أي للكافرين (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) أي دخانها ولهبها ، فشبّهَ إحاطة الدخان بهم كإحاطة السُرادق بالبيت ، والسُرادق هي الحُجُب الّتي تكون حول بيت الشَّعر ولها باب أي فتحة للدخول منها إلى البيت ، ومن ذلك قول جرير:
وسُفْيانُ خَوّاضٌ إلَى حَارَةِ الوَغَى وَلُوجٌ إذا ما هِيبَ بابُ السُّرادقِ
(وَإِن يَسْتَغِيثُوا ) من شِدّة العطش وحرارة النار (يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ ) أي كالزيت المغلي العكر (راشي) ، إذا أرادوا فصل الزيت عن تفلهِ يُغلى الراشي على النار فينفصل زيت السمسم عن تفله بالغليان (يَشْوِي الْوُجُوهَ ) أي يحرق الجهة الّتي يُلامسها من جلودهم وأمعائهم (بِئْسَ الشَّرَابُ ) ذلك الماء (وَسَاءتْ) تلك السُرادِق (مُرْتَفَقًا) أي متّكئاً لهم ، وهو ما يُتّكَأ عليه كالجدار والحجاب وغير ذلك . والشاهد على ذلك قول أبي ذؤيب :
نَامَ الْخَلِيُّ وَبِتُّ اللّيلَ مُرْتَفِقًا كَأَنَّ عَيْنِيَ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ
30 - (إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) لهم عند ربّك جنّات (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) .
31 - (أُوْلَئِكَ) المؤمنون الصالحون (لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ) أي سبعٍ في العدد (تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ) أي يلبسون حُليّاً في تلك الجنان وتلك الحُليّ أثيريّة نشأت في حُلي ذهبيّة ، ولذلك قال تعالى (مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ) ، فلو أراد بذلك الأساور الذهبيّة المادّية لقال تعالى يُحلّون فيها أساور ذهبيّة ، فيكون الكلام أوجز ولم يكرّر كلمة "مِن" . وكذلك قوله تعالى (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) يعني ثياب أثيريّة نشأت في ثياب مادّية سُندسيّة ، والسندس نوع من نسيج الإبريسم والحرير وكذلك الإستبرق ويسمّى "ديباج" أيضاً ، وفي ذلك قال المرقّش :
تَرَاهُنَّ يَلْبَسْنَ الْمَشَاعِرَ مَرَّة وَإِسْتَبْرَقُ الدِّيبَاجِ طَوْرًا لِبَاسُهَا
(مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ) أي على الأسرّة ، "الأريكة" سرير مُزيّن فاخر وجمعه أرائك ، ومن ذلك قولُ الأعشى :
وسَبَتْكَ حِينَ تَبَسَّمَتْ بَينَ الأرِيكَةِ والسِّتارَهْ
(نِعْمَ الثَّوَابُ ) ثوابهم (وَحَسُنَتْ) الأرائك (مُرْتَفَقًا) أي مُتّكَئاً لهم .
كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |