كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
43 - (وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ) يعني لم تكن لهُ جماعة يدفعون عن أمواله السيل ويُخلّصونها من الغرق (وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا ) على صاحبهِ بكثرة المال والنفَر .
44 - (هُنَالِكَ) أي في تلك الحالة وفي ذلك الوقت تكون (الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ) يعني وقت الشِدّة تكون النُصرة من الله لمن كان على الحقّ ، والخذلان والدمار لمن كان على الباطل ، يعني النُصرة للمؤمن بالله والدمار للكافر بهِ (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا ) للمؤمنين في الدنيا (وَخَيْرٌ عُقْبًا ) يعني وخيرٌ لهُ في الآخرة .
45 - ثمّ ضرب الله مثَلاً للمُعتزّين بالدنيا فقال تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم ) يا محمّد (مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وسرعة زوالها (كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ) وهو المطر (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ) أي نبتَ بذلك الماء نباتٌ التفّ بعضه ببعض يروق حُسناً وغضاضةً فلم يبقَ إلاّ أيّاماً قليلة وجاء الصيف فَيَبَسَ واصفرّ من شِدّة الحرّ والعطش (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا ) أي مُتهشّماً مُتكسّراً (تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ) أي تمزّقهُ الرياح وتفرّقهُ في الأرض ، فكذلك الدنيا لا تدوم لأحدٍ فلا تغترّوا بها (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) من الإنشاء والتدمير (مُّقْتَدِرًا) لا يصعب عليه شيء من ذلك . وهذا المثَل ضربه الله تعالى لأغنياء قريش الّذينَ يستنكفون أن يجالسوا الفقراء من المؤمنين .
46 - (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ولا ينفعك في الآخرة إلاّ ما قدّمتَ منهما لآخرتك (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ) أي الأعمال الصالحة الّتي تبقَى لك مذخورة عند الله (خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ) من المال والبنين الّذي لهؤلاء المشركين في دار الدنيا (ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) يعني وخير من آمال المشركين في آلهتهم ، لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد بل يَفِي لكم بوعده في الآخرة ، ولكنّ المشركين لا يستفيدون شيئاً من آلهتهم فآمالهم بها خائبة لا تتحقّق .
47 - (وَيَوْمَ) وقوف الأرض عن دورتها المحورية (نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ) أي نسيّر النيازك نحو الشمس فتجذبهنّ إليها . لأنّ جاذبيّة الأرض تنتهي بانتهاء الحرارة التي في جوفها فحينئذٍ تُفلت النيازك من جاذبية الأرض وتنقاد لجاذبية الشمس . ومِثلها في سورة النبأ قوله تعالى {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا } أي تسير نحو الشمس كأسراب القَطا .
(وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ) في الفضاء ، وذلك لأنّ الصالحين والمتقين من النفوس يصعدون إلى السماء حين وقوف الأرض عن دورتها المحورية مع الملائكة الموجودين اليوم على الأرض فإذا صاروا في السماء رأوا الأرض بارزة في الفضاء تدور حول الشمس ، والخطاب هنا للنبيّ . ثمّ أخبرَ الله سُبحانهُ عن من مات من المشركين فقال (وَحَشَرْنَاهُمْ) أي جمعناهم في مكان لتعذيبهم (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) أي فلم نترك منهم أحداً . ومن ذلك قول عنترة :
كَمْ فارِسٍ غادَرتُ يَأكُلُ لَحمَهُ ضارِي الذِّئابِ وَكاسِراتُ الأَنسُرِ
48 - (وَعُرِضُوا) المحشورون (عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ) المجرمون والمشركون والجاحدون ، فتقول لهم الملائكة على وجه التأنيب والتوبيخ (لَّقَدْ جِئْتُمُونَا ) عُراة حُفاة لا مال لكم ولا ولد (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) حين خرجتم من بطون اُمّهاتكم فأينَ ماكنتم تفتخرون بهِ على المؤمنين من المال والأولاد لم تنفعكم اليوم (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ) للحساب والعقاب .
49 - (وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) أي كتاب الأعمال الّذي كُتِبَتْ فيه أعمالهم وجرائمهم (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ ) أي خائفين (مِمَّا فِيهِ ) من سيئات وجرائم (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ ) أي لا يترك (صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ) من الذنوب (إِلَّا أَحْصَاهَا ) في الكتاب (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا ) أي جزاء ما عملوا (حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) بدخوله النار بدون إجرام وكفر .
50 - ثمّ ذكّرهم سُبحانهُ بعداوة إبليس لأبيهم آدم ليحذروهُ فقال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا ) أي وذكّرهم يا محمّد إذ قلنا (لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) امتنع عن السجود ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) في حياتهِ المادّية ولَمّا مات وانتقل بموتهِ إلى الحياة الأثيريّة أدخلهُ الله جنّاتهِ وسكن فيها مع الملائكة ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) أي فخرج عن أمر ربّه ، تقول العرب "فسقت النواة من التمرة" أي خرجت بسرعة ، وكلمة "أمر" كناية الملائكة فكلّ قِسم منها يُسمّى أمر ، والمعنى : خرج عن جمع الملائكة بسبب عصيانه أمر ربّه ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ ) الجنّ والشياطين ( أَوْلِيَاء مِن دُونِي ) فتسمعون لقولهم وتعملون بأمرهم ( وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ ) الأولياء (لِلظَّالِمِينَ) الّذينَ اتّخذوهم (بَدَلًا) عن ولاية المؤمنين .
51 - (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ) أي ما أحضرتُ إبليس وذرّيتهُ على خلق الكواكب السيّارة ومن جملتها الأرض ولا أطلعتهم على خِلقتها حين خلقتها فتظنّون أنّهم علماء فتستشيرون الجنّ بما عندكم من مشاكل وتستعينون بهم في أموركم وتسألونهم عن الغيب (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) أي لم أتّخذهم مُساعدين لي على شيء لكي تتّخذوهم مُساعدين لكم ، فإنّهم جنس مُضِلّون يُضِلّون الناس عن الحقّ وعن الحقيقة وليسوا مُرشدين فلا تسمعوا لقولهم لأنّهم أعداء لكم يُريدون خُسرانكم وتعذيبكم في النار .
52 - (وَيَوْمَ) موت المشركين (يَقُولُ) الملَك الموكّل بتعذيبهم (نَادُوا شُرَكَائِيَ الّذينَ زَعَمْتُمْ ) أنّها تشفع لكم ، وقد سبق شرح كلمة "شركائي" في سورة النحل في آية 27 (فَدَعَوْهُمْ) هؤلاء الّذينَ ماتوا قبلكم (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ) ولم يشفعوا لهم (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا ) أي وجعلنا بين المشركين عداوةً ونفوراً بعدما كانوا أصدقاء في الدنيا . ومِثلها في سورة الزخرف قوله تعالى {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |