كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة الكهف من الآية( 53) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

53 - (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ) بعد موتهم (فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا ) أي واقعون في عذابها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ) أي لا يجدون موضعاً ينصرفون إليهِ ليتخلّصوا منها .

54 - (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ) أي بيّنّا وأوضحنا (فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ) ليتّعِظوا ويؤمنوا ولكنّهم عاندوا واستكبروا وجادلوا (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) يعني أكثر ما عنده هو الجدل.

55 - (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى ) يعني أيّ شيء منعهم عن الإيمان لَمّا جاءهم رسولنا محمّد بالقرآن ليؤمنوا بهِ (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ ) عن ما مضَى من ذنوبهم وإشراكهم (إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ) بالعذاب فجأةً من حيث لا يشعرون كالزلزال والخسف (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ) أي يأتيهم العذاب عياناً مقابلةً من حيث يرَونه كأصحاب الظُلّة كما في قوله تعالى في سورة الأحقاف {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

56 - (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ ) ليأتوكم بخوارق العادات وما تطلبونه منهم من المعجزات (إِلَّا مُبَشِّرِينَ ) بنعيم الجنّة لمن آمَن وأطاع الله (وَمُنذِرِينَ) بالعذاب لمن كفر وعصَى أوامر الله (وَيُجَادِلُ الّذينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ ) دفاعاً عن عقائدهم الفاسِدة (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) أي ليبطلوا بجدالهم الحقّ الّذي جاء بهِ محمّد (وَاتَّخَذُوا) المشركون (آيَاتِي) الّتي في القرآن (وَمَا أُنذِرُوا ) بهِ من العذاب (هُزُوًا) أي هُزءاً وسخرية .

57 - (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ) الّتي نزلت على رسولهِ (فَأَعْرَضَ عَنْهَا ) ولم يؤمن بها (وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) من الظُلم للضعفاء من الناس (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ) أي أغطية (أَن يَفْقَهُوهُ ) يعني لئلاّ يفقهوا القرآن ، وذلك بسبب ظلمهم للناس (وَفِي آذَانِهِمْ ) جعلنا (وَقْرًا) أي ثقلاً لئلاّ يسمعوهُ (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) .

58 - (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ) للتائبين (ذُو الرَّحْمَةِ ) للنادمين ، ثمّ بيّن جزاء الّذينَ لم يتوبوا فقال الله تعالى (لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا ) في الدنيا (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ ) يُلاقون فيه العذاب وهو يوم مماتهم (لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا ) أي لن يجدوا غير الله مرجعاً يرجعون إليهِ في أمرهم ويسألونهُ كشف العذاب عنهم . فالموئل هو المرجع ، والشاهد على ذلك قول حسّان بن ثابت: 

                              فَمَنْ يَأْتِنَا أَوْ يَلْقَنَا عَنْ جِنايَةٍ      يَجِدْ عَنْدَنَا مَثْوىً كَرِيماً وَمَوْئِلا

59 - (وَتِلْكَ الْقُرَى ) إشارة إلى قُرى عاد وثمود وغيرهم (أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) رُسُل الله وجحدوا آياتهِ (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم ) أي لوقت هلاكهم (مَّوْعِدًا) أي وعدناهم بهِ فكان كما وعدناهم .

60 - (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ) يوشع بن نون (لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ185 أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) .

القِصّة : قال الله تعالى لموسى : أنتَ عجول قليل الصبر والحلم بالاُمور ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة طـ ه {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى } ، قال موسى : وكيف بي يا ربّ ؟ قال الله تعالى : إذهب إلى مُلتقى البحرين تجدْ عبداً من عبادنا يُعلّمك ويُريك كيف تكون نتائج الصبر وعواقب الحلم ، قال موسى : وما العلامة عند لقياهُ ؟ قال الله تعالى : خذ معك سمكة ميّتة فإذا وصلت ضعها في الماء فعندئذٍ تحيا السمكة وتذهب في البحر فهناك تجده . فلمّا رجع موسى من المناجاة قال ليوشع : اُريد أن أذهب إلى مُلتقى البحرين لأرى هذا الشخص الّذي هو أعلم منّي ، قال يوشع : اُترك هذا الأمر لأنّ المسافة بعيدة وإنّنا على جناح سفر من هذا المكان ، قال موسى : لا أبرح عن هذه الأرض إلى غيرها ولا أترك طلبتي حتّى أصل مُلتقَى البحرين ولو أمضي سائراً حُقُباً من الزمن . فكلمة "لا أبرح" معناها لا أذهب من هذا المكان حتّى أحصل على نتيجة ، ومن ذلك قوله تعالى حاكياً عن إخوة يوسف قال كبيرهم [كما في سورة يوسف ] {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي } ، وقال جرير :

                          صَحَا القلبُ عن سَلْمَى وقد بَرَّحَتْ بهِ      وما كانَ يَلْقَى مِنْ تُماضِرَ أبْرَحُ

فقول الشاعر " وقد بَرَّحَتْ بهِ " ، يعني ذهبت بقلبهِ من قبل . فذهبا الإثنان معاً موسى ويوشع .

61 - (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ) يعني فلمّا وصلا عند مُلتقَى البحرين (نَسِيَا حُوتَهُمَا ) أن يضعاهُ في الماء ، وكانت هناك صخرة فجلسا عندها يستريحان ثمّ نام موسى وبقي يوشع جالساً [أو مستيقظاً ] ، وبعد بُرهةٍ قفزت السمكة من الزنبيل الّذي فيه متاعهم وسقطت في البحر وأخذت تسبح في الماء ، فهذا معنى قوله تعالى (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي اتّخذ الحوت طريقاً له في الماء يسيرُ ويسبح فيه . الحوت معناه السمكة . ثمّ استيقظ موسى من نومه وقاما يمشيان على حافّة البحر ليجدا ذلك الشخص الّذي يطلبانه ، فألقَى الله التعب والجوع على موسى ليرجع إلى مكانه عند الصخرة ، وذلك قوله تعالى :

62 - (فَلَمَّا جَاوَزَا ) الصخرة وبعُدا عنها (قَالَ) موسى (لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ) أي تعباً ، فالنصَب معناه التعب ، ومن ذلك قوله تعالى [في سورة الشرح ] {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } .

63 - فلمّا مدّ يوشع يدهُ إلى الزنبيل ليخرج له طعاماً تذكّر الحوت وكيف سقطت في البحر (قَالَ) يوشع لموسى (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) لك وكيف سقط في الماء (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) . تعجّب يوشع من إحياء السمكة وسقوطها في البحر .

------------------------------------

185 :وأعتقد بأنّ ملتقَى البحرين هو ما يُعرف الآن بخليج العقبة في الأردن حيث ملتقى البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط .

<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم