كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
85 - (فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) أي فاتّبعَ إسكندر تلك الأسباب الّتي هيّأناها لهُ وسارَ عليها فانتصر وظفر بالكافرين وفتح البلاد .
86 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ ) في سيره (مَغْرِبَ الشَّمْسِ ) أي جهة غروب الشمس ، يعني في الجهة الّتي تقع غرب بلادهِ مكدونية .
خرج إسكندر من مقدونية إلى تركية ثمّ إلى مصر فاتحاً ، وبنَى هناك مدينة الأسكندريّة ، ثمّ واصل سفره إلى السودان ، (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي ) مراقبةِ (عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) أي وجد الشمس تغرب في مراقبةِ امرأةٍ سوداء وهي ملكتهم ، والمعنى : وجدها تغرب على قوم يُراقبون الشمس عند غروبها فيسجدون لها ولهم ملكةٌ سوداء تؤمّهم فيقلّدونها واسمها كنداكة ، لأنّ إسكندر لَمّا وصل السودان وجد سُكّان ذلك القطر يعبدون الشمس ، وذلك أنّهم يجتمعون في يوم عيدهم خارج المدينة وقت غروبها وهم ينظرون إليها ويُرتّلون الأناشيد الدينيّة فإذا كادت تختفي عن الأنظار سجدوا لها بأجمعهم . فالعين معناها المراقَبة ، يُقال "زيدٌ في عيني" أي في مراقبتي ، قال الله تعالى في سورة القمر {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ } ، وقال تعالى في سورة الطور {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } ، ومن ذلك قول الحاجري :
أخافُ عَلَيْهَا مِنْ عُيُونِ وُشاتِهَا وآخُذُ عَنْهَا حَيْنَ تُقْبِلُ جانِبَا
والمعنى أخاف عليها من مراقبة وشاتها ، وقال عمرو بن كلثوم :
تُرِيْكَ إذا دَخَلْتَ عَلَى خَلاءٍ وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الكاشِحِينَا
وقال أيضاً :
بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وطَعْناً أَقَرَّ بِهِ مَوالِيكِ العُيُونَا
و"الحمئة" معناها السوداء ، يُقال "تحمّم الجدار" أي صار أسود من الدخان ، ويُقال "حمّمَ الغُلام" أي بدت لحيتهُ ، والحِمَم الرماد والفحم وكلّ ما احترق بالنار ، وقوله (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ) يعني وجد إسكندر عند المرأة السوداء قوماً يفعلون كفعلها ويُقلّدونها في سجودها للشمس .
(قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) وهذه كنية إسكندر (إِمَّا أَن تُعَذِّبَ ) هؤلاء القوم الّذينَ يعبدون الشمس وذلك إن لم يؤمنوا (وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ) إذا آمَنوا .
87 - (قَالَ) إسكندر (أَمَّا مَن ظَلَمَ ) نفسه بالشرك ولم يؤمن (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ) بالضرب والسجن في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ ) بعد موتهِ (فَيُعَذِّبُهُ) في الآخرةِ (عَذَابًا نُّكْرًا ) أي عذاباً منكراً غير معهود .
88 - (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ ) في الآخرة (جَزَاءً الْحُسْنَى ) أي حُسن الجزاء وهو نعيم الجنّة (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) . قلتُ فيما سبق أنّ كلمة " أمر" كناية الملائكة ، فيكون المعنى : فستحاسبهُ ملائكتنا حساباً يسيراً ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الانشقاق {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } .
89 - (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) ثمّ أتبعَ سفره وفتوحاته نحو الشرق بما يسّرنا لهُ من أسباب الظفر والنجاح بعد أن مهّد جانب الغرب ، فتابع سفره وفتوحاته إلى سوريا والعراق وبنَى مدينة الإسكندريّة بين بغداد وبابل ، ثمّ تابع سفره إلى إيران والهند وهناك بنَى السدّ لمنع يأجوج ومأجوج قرب مدينة دربند . راجِع كتاب "الإسكندر المقدوني" تأليف هارولد لامب وترجمة الدكتور عبد الجبّار المطّلبي ومحمّد ناصر الصانع صفحة 269 .
90 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ) أي وصلَ منطقة المشرق ، يعني وصل منطقة تقع شرق بلاده مكدونيا (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا ) أي ليس في أرضهم جبال تمنع أشعّة الشمس عنهم ، أو يستترون في الجبال عن الشمس عند شِدّة الحرّ .
91 - (كَذَلِكَ) فعل بهم إسكندر كما فعلَ بأهل المغرب (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ ) من نوايا حسنة وأعمال صالحة (خُبْرًا) أي اختبرناهُ فوجدناهُ صادقاً فلذلك ساعدناهُ وهيّأنا له أسباب الظفَر والنجاح في أسفارِه وفتوحاتهِ .
92 - (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) يعني ثمّ أتبعَ [تابعَ] سيره وفتوحاتهِ .
93 - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ ) أي وصلَ إسكندر (بَيْنَ السَّدَّيْنِ ) . وقد بيّن موقع السدّين مؤلّف كتاب "الإسكندر المقدوني" في صفحة 269 ، فقال بالنصّ : "وقد اُقيمَ سور مُحاذٍ للسلسلة الجبليّة عند موقع زادرأكارتا ، وكان يُدعَى في الأزمنة الأخيرة (سور الإسكندر) ، وإن كانت قبائل التركمان تدعوهُ اليوم بالحيّةِ الحمراء ، وذلك لأنّهُ بُنيَ من حجارة حمراء يلتوي على السفوح جنوبي سهول التركمان . ومن الغريب حقّاً أنّ سوراً آخر بنتهُ أيدٍ اُخرى على الجانب البعيد من بحرِ قزوين ، قرب مدينة دَرْبَنْد ، يُدعَى بسور الإسكندر ، وتقول القصّة أنّه بناهُ ليصدّ بهِ قبائل يأجوج ومأجوج المخرِّبة ." [إنتهى ] وقوله (وَجَدَ مِن دُونِهِمَا ) أي وجد قبل السدّين ، وهي سدود للمياه لئلاّ تتسرّب على الأراضي المنخفضة فتغرقها ، وجد (قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ) يعني لم تكن تلك القبائل تفهم لُغة إسكندر وجيشه حتّى وجدوا ترجماناً يفهم لغة هؤلاء القوم .
94 - (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) و هذه كنية إسكندر186 (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) وهما قبيلتان من التركمان ، وقد جاء ذكرهم في التوراة أيضاً في سِفر حزقيال في الإصحاح الثامن والثلاثين ، ومأجوج هو إبن يافث بن نوح النبيّ وإليهِ ينتمي نسبهم . وقد وقعت بينهما حروب وقتال لا مجالَ لذكرها ، وليس كما ذهبَ إليه بعض المفسّرِين من أنّهم ليسوا من البشر ولهم أشكال خاصّة ، فمنهم الطوال كطول النخلة ومنهم قِصار يساوي قصرهُ عُرضهُ ، ومنهم طوال الآذان بحيث يفرش أحدى اُذنيهِ ويتغطّى بالاُخرى ، وهذهِ من الخرافات ولا صِحّةَ لها . أمّا فسادهم لهؤلاء القوم فهو فتح المياه عليهم من تلك الفتحة الّتي بين الجبلين فيغرقونهم لِما كانت بينهم من عداوة ، وكلّما سدّوا تلك الفتحة بالحجارة والتراب رجعت قبيلة يأجوج أو مأجوج وهدموها فانحدرت المياه عليهم وأغرقتهم ، وذلك وقت الفيضان . فلمّا جاء إسكندر إلى أرضهم عرضوا عليه أمرهم وطلبوا منه أن يسدّ تلك الفتحة الواقعة وسط الجبل الممتدّ ، على أن يقوموا هم بتكاليف ما يلزم لبناء الحاجز ، وذلك قوله تعالى (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) لئلاّ تجري المياه علينا فتغرقنا .
------------------------------------186 :هو إسكندر الكبير الملقّب بذي القرنين ، توفّي في بابل ، تعلّم على يد أرسطوطاليس ، تبوّأ الحكم الملَكي في مكدونيا محلّ فيلبس أبيه ، وعزمَ على فتح إمبراطوريّة الفُرس فكسرهم في آسيا الصُغرى (إبسوس 334 ق م ) ، ثمّ في سواحل فينيقيا (بعد أن حاصرَ صور سبعة أشهر) ، ثمّ في مصر (تأسيس الإسكندريّة) . أخيراً ضيّق على داريوس في العراق فانتصرَ عليه في أربيل (331 ق م) ، وتابعَ زحفهُ إلى أطراف فارس وتجاوزها إلى أطراف نهر هندوس . وذو القرنين من أعظم الغزاة وأشجعهم . وقد تنبّأ عنهُ النبيّ دانيال قبل مولده ، وذلك في الإصحاح الثامن من سِفر دانيال في مجموعة التوراة ، فرأى في منامهِ كبشاً لهُ قرنان طويلان ينطح بهما ، فنطحَ غرباً وشمالاً وجنوباً فلم يقف حيوان أمامهُ ولا منقذَ من يدهِ وفعل كما يُريد . فلذلك لُقّبَ بذي القرنين .كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |