كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت) الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة |
|
||
21 - (قَالَ) جبرائيل (كَذَلِكِ) أي كما قلتُ لكِ يكون (قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) أي إحداث الولد من غير زوج عليَّ هيِّنٌ سَهل (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) على قُدرتنا (وَرَحْمَةً مِّنَّا ) لمن يؤمن بنبوّتهِ (وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) أي وكان ما قُلتهُ لكِ من أمر الغلام واقعاً لا تغيير فيه . فنفخَ جبرائيل على الأرض فتطاير الغبار فدخل شيءٌ منه في فرجها فلقّحها .
22 - (فَحَمَلَتْهُ) أي فحبلت بعيسى (فَانتَبَذَتْ بِهِ ) أي انفردت بهِ (مَكَانًا قَصِيًّا ) أي بعيداً عن الناس لتَضَعَهُ [أو لِتَلِدَهُ] ، وكانت مدّة حملهِ سبعة أشهر .
23 - (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ ) يعني فألجأها المخاض ، والشاهد على ذلك قول حسّان بن ثابت :
إذْ شَدَدْنا شَدَّةً صادِقَةً فَأَجَأْناكُمْ إلَى سَفْحِ الْجَبَلْ
يعني ألجأناكم إلى سفح الجبل .
وقال زُهير :
وجاراً سارَ مُعْتَمِداً إلَيْكُمْ أجاءَتْهُ الْمَخافَةُ والرَّجاءُ
يعني ألجأتهُ المخافة والرجاءُ ، (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) فالتجأت إليه لتستند عليهِ عند الولادة . وصلت مريم بسيرها إلى بستان وكان فيها حظيرة (أي كوخ) مكوّنة من أربعة جذوع وحصران فدخلت مريم تلك الحظيرة واستندت إلى أحد تلك الجذوع لتلدَه ، حينئذٍ (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) الحادث (وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) .
24 - (فَنَادَاهَا) عيسى (مِن تَحْتِهَا ) حين ولدته قائلاً (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ) نهراً (سَرِيًّا) أي يسري ماؤهُ ، فالسريّ هو النهر الجاري ، ومن ذلك قول لبيد :
فَمَضَى وَضَاحِي الماءِ فَوْقَ لَبَانِهِ وَرَمَى بها عُرْضَ السَّرِيّ يَعُومُ
وقال الآخر :
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ مَاجِدٌ ذُو نَائِلٍ مِثْلُ السَّرِيِّ تُمِدُّهُ الْأَنْهَارُ
25 - (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) الّذي إلى جنبكِ (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) أي جنَتهُ الحظيرة ، لأنّ الوقت كان خريفاً وكان وقت قصاص التمر من النخيل ، فلمّا جنَوا تمرها سقط بعض التمر على تلك الحظيرة ، فلمّا هزّت الجذع سقط الرُطَب الّذي كان فوق الحظيرة فتناولت مريم منه وأكلت .
26 - (فَكُلِي) من الرُطَب (وَاشْرَبِي) من ماء النهر (وَقَرِّي عَيْنًا ) أي طيبي نفساً ولا تخافي عاراً (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ) فسألكِ عنّي (فَقُولِي) لهُ بالإشارة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) إمساكاً عن الكلام (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) يعني أحداً من الإنس ، وأنا اُكلّمهم عنك ليعلموا أنّكِ بريئة من الزِنا.
27 - (فَأَتَتْ بِهِ ) أي بالمسيح (قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ) على يدها ، فلمّا رأوهُ (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) أي أمراً قبيحاً يشقّ علينا ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
حامِي العَرينِ لدَى الهيجاءِ مُضْطَلِعٌ يَفْرِي الرجالَ بأنيابٍ وأظفارِ
يعني يشقّ بطون الرجال كالأسد .
28 - (يَا أُخْتَ هَارُونَ ) في الصلاح والعبادة (مَا كَانَ أَبُوكِ ) عِمران (امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ ) حَنّة (بَغِيًّا) أي لم تكن زانية لتكوني مِثلها .
29 - (فَأَشَارَتْ) لهم (إِلَيْهِ) أن كلِّموهُ وهو يُجيبكم (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) يعني كان صبيّاً في السماء من قِسم الملائكة ولَمّا دخل في هذا الجسم أصبح طِفلاً رضيعاً ، فإنّ كلمة "كانَ " تدلّ على الماضي . وتقديرهُ : مَن كان في السماء صبيّاً واليوم في المهدِ رضيعاً ، وهذا إخبار من الله تعالى بأنّه كان صبيّاً ، لأنّ الملائكة والنفوس البشريّة كلّها صبايا ليس فيهم شيخ ولا عجوز . ومنهم الثلاثة الّذينَ جاؤوا إلى لوط وأوصَوهُ أن يخرج من قرية سدوم كانوا على هيئة صبايا .
30 - فأجابهم عيسى (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ ) عِلم (الْكِتَابَ) أي عِلمَ التوراة (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) .
31 - (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) للناس (أَيْنَ مَا كُنتُ ) أي حيث ما توجّهتُ بأمور الدين والدنيا (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ ) أن أحثّ الناس على أدائها (وَالزَّكَاةِ) على إعطائها لِمُستحقّيها (مَا دُمْتُ حَيًّا ) في دار الدنيا .
32 - (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ) أي مُتكبّراً مُتعاظماً على الناس (شَقِيًّا) يعني لم يجعلني من الأشقياء الّذينَ يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم .
33 - (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ ) أي السلامة لي من شرّ الشيطان (يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ ) للحساب (حَيًّا) أي عزيزاً ناجحاً رابحاً .
34 - (ذَلِكَ) إشارة إلى القول الّذي قالهُ عيسى أنّه عبد الله (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ ) وليس ما يقوله النصارى من أنّه إبن الله ولا من قولهم ثالثُ ثلاثة ، فقولهم باطل (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) أي يُجادلون . فاليهود قالوا فيهِ ساحرٌ كذّاب ، والنصارى قالوا إبن الله . ثمّ كذّبهم الله تعالى فقال :
35 - (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ) بعد أن أخبركم في التوراة والزبور أنّه واحدٌ لا شريك لهُ ولا والد ولا ولد ولا تجوز العبادة لغيره (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً لهُ عن اتّخاذ الولد (إِذَا قَضَى أَمْرًا ) يعني إذا أرادَ شيئاً من خوارق العادات وحكمَ بتكوينهِ (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) كما أراد لا يصعب عليهِ شيء من ذلك .
36 - (وَ) قال عيسى (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ) ولا تُشركوا بهِ شيئاً (هَذَا) ديني (صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) من سلكهُ يصل إلى الجنّة .
------------------------------------كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة | كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام | كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة |
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. | كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية | كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم |