كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة مريم من الآية( 24) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

24 - (فَنَادَاهَا) عيسى (مِن تَحْتِهَا ) حين ولدته قائلاً (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ ) نهراً (سَرِيًّا) أي يسري ماؤهُ ، فالسريّ هو النهر الجاري ، ومن ذلك قول لبيد :

                            فَمَضَى وَضَاحِي الماءِ فَوْقَ لَبَانِهِ      وَرَمَى بها عُرْضَ السَّرِيّ يَعُومُ

وقال الآخر :
                                  سَهْلُ الْخَلِيقَةِ مَاجِدٌ ذُو نَائِلٍ      مِثْلُ السَّرِيِّ تُمِدُّهُ الْأَنْهَارُ

25 - (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) الّذي إلى جنبكِ (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) أي جنَتهُ الحظيرة ، لأنّ الوقت كان خريفاً وكان وقت قصاص التمر من النخيل ، فلمّا جنَوا تمرها سقط بعض التمر على تلك الحظيرة ، فلمّا هزّت الجذع سقط الرُطَب الّذي كان فوق الحظيرة فتناولت مريم منه وأكلت .

26 - (فَكُلِي) من الرُطَب (وَاشْرَبِي) من ماء النهر (وَقَرِّي عَيْنًا ) أي طيبي نفساً ولا تخافي عاراً (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ) فسألكِ عنّي (فَقُولِي) لهُ بالإشارة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) إمساكاً عن الكلام (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) يعني أحداً من الإنس ، وأنا اُكلّمهم عنك ليعلموا أنّكِ بريئة من الزِنا.

27 - (فَأَتَتْ بِهِ ) أي بالمسيح (قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ) على يدها ، فلمّا رأوهُ (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) أي أمراً قبيحاً يشقّ علينا ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :

                          حامِي العَرينِ لدَى الهيجاءِ مُضْطَلِعٌ      يَفْرِي الرجالَ بأنيابٍ وأظفارِ

يعني يشقّ بطون الرجال كالأسد .

28 - (يَا أُخْتَ هَارُونَ ) في الصلاح والعبادة (مَا كَانَ أَبُوكِ ) عِمران (امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ ) حَنّة (بَغِيًّا) أي لم تكن زانية لتكوني مِثلها .

29 - (فَأَشَارَتْ) لهم (إِلَيْهِ) أن كلِّموهُ وهو يُجيبكم (قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) يعني كان صبيّاً في السماء من قِسم الملائكة ولَمّا دخل في هذا الجسم أصبح طِفلاً رضيعاً ، فإنّ كلمة "كانَ " تدلّ على الماضي . وتقديرهُ : مَن كان في السماء صبيّاً واليوم في المهدِ رضيعاً ، وهذا إخبار من الله تعالى بأنّه كان صبيّاً ، لأنّ الملائكة والنفوس البشريّة كلّها صبايا ليس فيهم شيخ ولا عجوز . ومنهم الثلاثة الّذينَ جاؤوا إلى لوط وأوصَوهُ أن يخرج من قرية سدوم كانوا على هيئة صبايا .

30 - فأجابهم عيسى (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ ) عِلم (الْكِتَابَ) أي عِلمَ التوراة (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) .

31 - (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) للناس (أَيْنَ مَا كُنتُ ) أي حيث ما توجّهتُ بأمور الدين والدنيا (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ ) أن أحثّ الناس على أدائها (وَالزَّكَاةِ) على إعطائها لِمُستحقّيها (مَا دُمْتُ حَيًّا ) في دار الدنيا .

32 - (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ) أي مُتكبّراً مُتعاظماً على الناس (شَقِيًّا) يعني لم يجعلني من الأشقياء الّذينَ يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم .

33 - (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ ) أي السلامة لي من شرّ الشيطان (يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ ) للحساب (حَيًّا) أي عزيزاً ناجحاً رابحاً .

34 - (ذَلِكَ) إشارة إلى القول الّذي قالهُ عيسى أنّه عبد الله (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ ) وليس ما يقوله النصارى من أنّه إبن الله ولا من قولهم ثالثُ ثلاثة ، فقولهم باطل (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) أي يُجادلون . فاليهود قالوا فيهِ ساحرٌ كذّاب ، والنصارى قالوا إبن الله . ثمّ كذّبهم الله تعالى فقال :

35 - (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ) بعد أن أخبركم في التوراة والزبور أنّه واحدٌ لا شريك لهُ ولا والد ولا ولد ولا تجوز العبادة لغيره (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً لهُ عن اتّخاذ الولد (إِذَا قَضَى أَمْرًا ) يعني إذا أرادَ شيئاً من خوارق العادات وحكمَ بتكوينهِ (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) كما أراد لا يصعب عليهِ شيء من ذلك .

36 - (وَ) قال عيسى (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ) ولا تُشركوا بهِ شيئاً (هَذَا) ديني (صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) من سلكهُ يصل إلى الجنّة .

37 - (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ ) من بني إسرائيل فيه (مِن بَيْنِهِمْ ) مُصدّقين لهُ وأكثرهم مُكذّبين بهِ ، هذا في حياتهِ ، وكذلك بعد مماته اختلفوا النصارى فيه فمن بينهم مُعترفون بنبوّتهِ وأكثرهم مُغالونَ فيهِ كافرون بربّهم (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ ) أي من مُشاهدةِ (يَوْمٍ عَظِيمٍ ) هو يوم القيامة

38 - (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ) معناه أسمعِ الناس يا محمّد بأقوال هؤلاء الكافرين ليفكّروا فيها ويتّعظوا فلا يكونوا مثلهم ، وبصّرهم بأعمالهم وتماثيلهم الّتي عبدوها من دون الله ليستنكروا أعمالهم فلا يأتون بمِثلها (يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) يندمون ، يعني يوم موتهم وانتقالهم من الدنيا إلى الآخرة تنكشف لهم الحقيقة فحينئذٍ يندمون على أعمالهم الّتي عملوها لغير الله ويؤمنون بوحدانيّة الله حيث لا ينفعهم الندم ولا الإيمان (لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ ) يعني في الدنيا ، هم (فِي ضَلَالٍ ) عن الحقّ (مُّبِينٍ) أي بيّن لكلّ عاقل مُفكّر بأنّهم ضالّون لأنّهم عبدوا المسيح واُمّهُ والتماثيل من دون الله ، وقد أنزل الله تعالى في جميع الكتب السماويّة بأنّ الله واحد ليس لهُ شريك فلا تعبدوا تمثالاً ولا ملَكاً ولا نبيّاً ولا أحداً من المخلوقين والمخلوقات .

39 - (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) وهو اليوم الّذي ينتقلون فيهِ من الدنيا إلى الآخرة بانفصال النفوس عن الأجسام فيتحسّرون على ما فاتهم من الوقت من قبول الإيمان وحُسن الأعمال في دار الدنيا (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ) بالموت فلا إيمان ينفعهم إن آمَنوا بعد ذلك ولا أعمالهم تنفعهم إن عمِلوا (وَهُمْ) اليوم (فِي غَفْلَةٍ ) عن الآخرة (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) مهما أنذرتهم وخوّفتهم حتّى يرَوا العذاب الأليم .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم