كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة مريم من الآية( 32) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

32 - (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ) أي مُتكبّراً مُتعاظماً على الناس (شَقِيًّا) يعني لم يجعلني من الأشقياء الّذينَ يظلمون الناس ويغصبون حقوقهم .

33 - (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ ) أي السلامة لي من شرّ الشيطان (يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ ) للحساب (حَيًّا) أي عزيزاً ناجحاً رابحاً .

34 - (ذَلِكَ) إشارة إلى القول الّذي قالهُ عيسى أنّه عبد الله (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ ) وليس ما يقوله النصارى من أنّه إبن الله ولا من قولهم ثالثُ ثلاثة ، فقولهم باطل (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) أي يُجادلون . فاليهود قالوا فيهِ ساحرٌ كذّاب ، والنصارى قالوا إبن الله . ثمّ كذّبهم الله تعالى فقال :

35 - (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ) بعد أن أخبركم في التوراة والزبور أنّه واحدٌ لا شريك لهُ ولا والد ولا ولد ولا تجوز العبادة لغيره (سُبْحَانَهُ) أي تنزيهاً لهُ عن اتّخاذ الولد (إِذَا قَضَى أَمْرًا ) يعني إذا أرادَ شيئاً من خوارق العادات وحكمَ بتكوينهِ (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) كما أراد لا يصعب عليهِ شيء من ذلك .

36 - (وَ) قال عيسى (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ) ولا تُشركوا بهِ شيئاً (هَذَا) ديني (صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) من سلكهُ يصل إلى الجنّة .

37 - (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ ) من بني إسرائيل فيه (مِن بَيْنِهِمْ ) مُصدّقين لهُ وأكثرهم مُكذّبين بهِ ، هذا في حياتهِ ، وكذلك بعد مماته اختلفوا النصارى فيه فمن بينهم مُعترفون بنبوّتهِ وأكثرهم مُغالونَ فيهِ كافرون بربّهم (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ ) أي من مُشاهدةِ (يَوْمٍ عَظِيمٍ ) هو يوم القيامة

38 - (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ) معناه أسمعِ الناس يا محمّد بأقوال هؤلاء الكافرين ليفكّروا فيها ويتّعظوا فلا يكونوا مثلهم ، وبصّرهم بأعمالهم وتماثيلهم الّتي عبدوها من دون الله ليستنكروا أعمالهم فلا يأتون بمِثلها (يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) يندمون ، يعني يوم موتهم وانتقالهم من الدنيا إلى الآخرة تنكشف لهم الحقيقة فحينئذٍ يندمون على أعمالهم الّتي عملوها لغير الله ويؤمنون بوحدانيّة الله حيث لا ينفعهم الندم ولا الإيمان (لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ ) يعني في الدنيا ، هم (فِي ضَلَالٍ ) عن الحقّ (مُّبِينٍ) أي بيّن لكلّ عاقل مُفكّر بأنّهم ضالّون لأنّهم عبدوا المسيح واُمّهُ والتماثيل من دون الله ، وقد أنزل الله تعالى في جميع الكتب السماويّة بأنّ الله واحد ليس لهُ شريك فلا تعبدوا تمثالاً ولا ملَكاً ولا نبيّاً ولا أحداً من المخلوقين والمخلوقات .

39 - (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) وهو اليوم الّذي ينتقلون فيهِ من الدنيا إلى الآخرة بانفصال النفوس عن الأجسام فيتحسّرون على ما فاتهم من الوقت من قبول الإيمان وحُسن الأعمال في دار الدنيا (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ) بالموت فلا إيمان ينفعهم إن آمَنوا بعد ذلك ولا أعمالهم تنفعهم إن عمِلوا (وَهُمْ) اليوم (فِي غَفْلَةٍ ) عن الآخرة (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) مهما أنذرتهم وخوّفتهم حتّى يرَوا العذاب الأليم .

40 - (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ) لأنّ كلّ من عليها من الأحياء يموت وينتقل إلى العالم الأثيري ، ثمّ تتمزّق الأرض فتكون نيازك فلا يبقَى عليها حينئذٍ أحد من الأحياء (وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) بعد موتهم فنحكم فيهم بالعدل ، ومعنى الميراث من قوله تعالى (نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ) يعني نرث النفوس بعد انفصالها عن الأجسام فتصبح كلّها تحت حكمهِ وتصرّفهِ وكلّها تذكُرهُ بالذِكر الحسن ، فالمؤمنون منهم يُدخلهم الجنّة فيحمدونهُ ويشكرونهُ على عطائهِ ، والكافرون يُدخلهم النار فيدعونه ويتضرّعون إليهِ ، فتصبح كلّ الناس مُطيعة لله منقادة لأمرِه . وكذلك الحيوان والأشجار والأمتعة الموجودة اليوم في الدنيا تكون إرثاً لأهل الجنّة ، يعني الأثيري منها ، أمّا المادّيات من الأمتعة والأجسام فلا فائدة فيها لأنّها تتمزّق وتتلاشى .

41 - (وَاذْكُرْ) يا محمّد (فِي الْكِتَابِ ) أي في قرآنكَ (إِبْرَاهِيمَ) أي اُذكر لقريش قصّة إبراهيم وشأنه مع قومه ليتبيّن لقريش كذِبهم إذ يقولون نحن نقتدي بهِ (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا ) أي صادق القول لا يكذب (نَّبِيًّا) أي مُخبراً عن الله بما يوحى إليهِ .

42 - (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ ) دعاءَ من يدعوهُ (وَلَا يُبْصِرُ ) من يعبدهُ ويتقرّب إليهِ (وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ) من اُمور الدنيا .

43 - (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ ) بالله والمعرفة (مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي ) بما أقول لك واقتدِ بي (أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ) أي اُرشدْكَ طريقاً مُستقيماً يوصلك إلى الجنّة .

44 - (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ) أي لا تعبد الأصنام فيستولي عليك الشيطان بعد مماتك ويستعبدك فتخدمهُ مُرغَماً . فالعبادة يريد بها الخدمة ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون حاكياً عن قوم فرعون {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } أي خادمون ، (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ) أي عاصِياً إذ أمرهُ أن يسجدَ لآدم فعصى أمرَ ربّهِ .

45 - (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ ) في الآخرة (مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) بعد موتك في عالم النفوس .

46 - (قَالَ) تارح لإبراهيم (أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ) أي أمُعرضٌ أنت عن عبادة آلهتي ؟ يعني عن عبادة الأصنام (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ) أي لئن لم تمتنع عن هذا القول (لَأَرْجُمَنَّكَ) بالحجارة حتّى تموت . ولَمّا ألحّ إبراهيم على أبيهِ بترك عبادة الأصنام قال لهُ سأنظر في هذا الأمر (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) أي اتركني مدّة من الزمن ولا تكرّر عليّ القول حتّى أنظر واُفكّر في ذلك وأستشير عقلي فيما تقول ، فحينئذٍ ظنّ إبراهيم أنّ أباه سيهتدي إلى طريق الحقّ فقال لهُ :

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم