كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 131) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

131 - (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) .

132 - (وَوَصَّى بِهَا ) أي بكلمة الإسلام (إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ) وهم إسماعيل من هاجر جارية سارة وهي مصريّة ، وإسحاق من سارة بنت عمّهِ وهيَ عراقيّة ، وزُمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوجا هؤلاء من قطورة تزوّجها بعد وفاة سارة اُم إسحاق ، (وَيَعْقُوبُ) بن إسحاق أيضاً أوصى بنيهِ الأسباط وهم إثنا عشر رجُلاً فقال (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ) أي اختار لكم دين التوحيد بأن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً (فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) أي مُستسلمون لأمر الله منقادون لطاعتهِ .

133 - نزلت هذه الآية ردّاً على النصارى إذ قالوا المسيح إبن الله ، فقال تعالى (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ) وفي الكلام حذفٌ تقديرهُ : هل أنزلنا عليكم كتاباً من السماء مسطوراً بأنّ الله اتّخذَ ولداً أمْ أخبرتكم بذلك أنبياؤكم أم كنتم شُهداء ، أي حاضرين حين نزل بيعقوب الموت فأوصاكم بهذا ، ألم يوصِ بنيهِ بأن يعبدوا الله وحدهُ ، وأنّهُ واحد ليس لهُ ولد ولا والد ولا شريك (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ) أي من بعد موتي ، وإنّما قال ما تعبدون ، ولم يقل من تعبدون ، أراد امتحانهم فيرى هل فيهم أحد يميل إلى عبادة الأوثان (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا ) ولم يقولوا ثلاثة كما قلتم أيّها النصارى (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) أي مُستسلِمون منقادون .

134 - (تِلْكَ أُمَّةٌ ) أي جماعة مُسلِمة موحّدة لم تشرك كما أشركتم ولم تُثلّث كما ثلّثتم (قَدْ خَلَتْ ) أي قد مضت وانتقلت إلى العالم الأثيري (لَهَا مَا كَسَبَتْ ) من حسنات وعبادات (وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ) من سيّئات وكفر وإشراك (وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي وأنتم غير مسؤولين عن أعمالهم مع أخيهم يوسف فتنتقدوهم بها .

135 - (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ ) أي قالت اليهود كونوا يهوداً تهتدوا إلى طريق الحقّ ، وقالت النصارى كذلك (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) أي موحّداً لم يُثلّث كما ثلّثتم أيّها النصارى ، ومن ذلك قول الشاعر :

                            فَكِلْتاهُما خَرَّتْ وأَسْجَدَ رأْسُها      كما أَسْجَدَتْ نَصْرانَةٌ لم تحَنّفِ

أي نصرانيّة تقول بالثالوث لم توحِّد (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) كما أشركت اليهود فعبدت البعليم وعشتاروث والشعرى اليمانيّة وغير ذلك ، فكلمة "حنيفاً " أي كانت طريقتهُ الحنيفيّة ، يعني الشريعة الّتي سار عليها ، و"الحنيفيّة" هيَ الميل عن الأديان الباطلة المشركة إلى دين التوحيد ، ومن ذلك قول حسّان :

                                 هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً      أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ

فقول الشاعر "حنيفاً " أي سائراً على مِلّة إبراهيم ، ولذلك قال تعالى (بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) يعني كانت مِلّتهُ الحنيفيّة ، وهي طريقة التوحيد ، والشاهد على ذلك قوله تعالى (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

136 - ثمّ خاطبَ المسلمين فقال تعالى (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ ) بأنّهُ واحد لا والدَ لهُ ولا ولد ولا شريك (وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا ) يعني وآمنّا بالقرآن الّذي اُنزلَ إلينا بأنّهُ من الله أنزلهُ على رسولهِ محمّد (وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ) من الوحي والتعاليم الربّانيّة ، وهيَ صُحُفُ إبراهيم (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ ) أولاد إبراهيم (وَيَعْقُوبَ) بن إسحاق (وَالأسْبَاطِ) وهم أولاد يعقوب وعددهم إثنا عشر ، وهم يوسف وأخوه بنيامين من اُمّ واحدة إسمها راحيل ، أمّا الباقون فهم روبين وهو بكر أبيهِ وهو الّذي خلّص يوسف من القتل لأنّهم أرادوا قتلهُ ، ويهوذا ، وشمعون ، ولاوي ، ويساكر ، وزبولون ، ودان ، ونفتالي ، وجاد ، وآشير ، وقوله (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى ) أي وقولوا آمَنّا بما أوتيَ موسى من معجزات وبما أنزِلَ عليه في التوراة ، وآمَنّا بما أوتي عيسى من بيّنات وما جاء بهِ من مُعجزات (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ ) من دلائل ومواعظ وإرشادات (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ) فنؤمن ببعضٍ ونرفض بعضاً كما رفضتم ، بل نؤمنُ بجميع الأنبياء والمرسَلين (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) أي ونحنُ لله مُستسلمون مُنقادون .

137 - (فَإِنْ آمَنُواْ ) اليهود والنصارى (بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ ) أيّها المسلمون (فَقَدِ اهْتَدَواْ ) إلى طريق الحقّ (وَّإِن تَوَلَّوْاْ ) عن الإيمان ولم يُصدّقوا بالقرآن (فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) أي في اختلاف وعداوة فيما بينهم (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ ) أي سيكفيك شرّهم ويُنجيك من كيدهم (وَهُوَ السَّمِيعُ ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأفعالهم .

138 - (صِبْغَةَ اللّهِ ) الصبغ هو تحسين الشيء وتلوينه ، يقال "صَبُغَ ضرع الناقة" ، يعني امتلأ لبناً وحسُنَ منظرهُ ، و"أصبغ النخلُ" يعني نضجَ بُسْرُهُ فحسُنَ لونهُ ، ومن ذلك قول اُميّة :

                           في صِبْغَةِ اللهِ كانَ إذْ نَسِيَ ال === عَهْدَ وخَلَّى الصَّوابَ إذْ عَرَفَا

فقول الشاعر "في صِبغةِ اللهِ كانَ" يعني كان في ريعان شبابه لَمّا نسِي العهدَ ، أي لَمّا صبغهُ الله بماء الشباب وحسّنَهُ بِرَيعانِه . والآية معطوفة على ما تقدّم من قوله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ..الخ} ، وتقديره : وقولوا إنّ الشريعة الّتي نحنُ عليها هيَ صبغة الله ، أي حسّنها الله لنا وزيّنها في قلوبنا حتّى هدانا لها ، ومِمّا يؤيّد هذا قوله تعالى في سورة الحجرات {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } . (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ) أي لا أحد أحسن من الله صبغة (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) أي وقولوا نحن لله عابدون ولا نعبد غيره .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم