كتاب: حقائق التأويل في الوحي والتنزيل

بقلم: محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى)

توزيع: دار الكتب العلمية (بيروت)

الوصف: تفسير الايات القرآنية كاملة اضافة الى الايات الغامضة

فهرس الآيات , البحث في القرآن الكريم

تفسير سورة البقرة من الآية( 176) من كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل   بقلم محمد علي حسن الحلي (رحمه الله تعالى) : 

176 - (ذَلِكَ) العذاب جزاؤهم (بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) أي نزّل الكتُب السماويّة بدين الحقّ وهو دين التوحيد ، فكلّها تدعو إلى عبادة الله وحده وتنهَى عن عبادة الأوثان والأصنام ، ولكنّهم بدّلوا وغيّروا ما أنزل الله من الأحكام والشرائع واختلفوا فيها (وَإِنَّ الّذينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ ) أي في أحكام الكتاب ، وهم علماء الدين وقادته (لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أي لفي اختلاف وجدال فيما بينهم بعيد عن الصواب .

177 - لَمّا كثر الكلام بين المسلمين واليهود في شأن القِبلة نزلت هذه الآية (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) "البرّ" هو عمل الخير ، والمعنى : ليس عمل الخير خاصّاً بالتوجّه نحو القبلة سواءً مكّة كانت أو بيت المقدس (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ ) وحده ولم يشركْ به (وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) أي وآمَنَ بيوم القيامة وقد سبق شرحه في آية 126 (وَالْمَلآئِكَةِ) أي وآمنَ بالملائكة أنّهم عباد الله لا بناته كما يزعم المشركون من العرب (وَالْكِتَابِ) أي وآمنَ بالكتب السماوية كلّها (وَالنبيّينَ) أي وآمنَ بجميع الأنبياء لا ينكر أحداً منهم (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) أي وأنفق من ماله على حُبّ الله وفي سبيل الله ، أمّا إذا أعطى من ماله على حبّ المخلوقين فليس ذلك من أعمال البِرّ بل هو نوع من الإشراك ،

ومن ذلك الوقف ، فوقف الأملاك للأئمّة والمشايخ لا يجوز لأنّه نوع من الإشراك ، فعمل البِرّ هو أن تؤتي المال على حُبّ الله إلى (ذَوِي الْقُرْبَى ) أي إلى الفقراء من أقربائك (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ) يعني الأيتام والمحتاجين (وَابْنَ السَّبِيلِ ) يعني المسافر المنقطع به والغريب عن وطنه والضيف (وَالسَّآئِلِينَ) أي الطالبين للصدقة ، لأنّه ليس كلّ مسكين يطلب (وَفِي الرِّقَابِ ) الرقاب جمع رقبة ، يعني ويعطي المال في فكّ الرقاب من الأسر ، كقوله تعالى في سورة البلد {فَكُّ رَقَبَةٍ } ، وكذلك عِتق العبد (وَأَقَامَ الصَّلاةَ ) أي واظبَ عليها وأدّاها بوقتها (وَآتَى الزَّكَاةَ ) أي وأعطى زكاة ماله (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ) يعني العهود والنذور التي بينهم وبين الله تعالى ، والعقود التي بينهم وبين الناس ، وكلاهما يلزم الوفاء بهِ (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء ) "البأساء" هي الشدّة والبائس هو الفقير ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الحـج { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } أي الّذي أصابته الشدائد بسبب الفقر ، و"الضرّاء" هي المرض ، والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } . (وَحِينَ الْبَأْسِ ) يعني والصابرينَ وقت الحرب وقتال الأعداء أعداء الدِين (أُولَـئِكَ الّذينَ صَدَقُوا ) بقولهم آمنّا ، وإنّهم أبرار (وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) حقّاً ، أي الّذينَ اتّقَوا نار جهنّم بفعل هذه الخِصال الحميدة .

178 - (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) يعني المماثَلة في القتلى ، أي يُفعَل بالقاتل مثل ما فعلَ بالمقتول ، وذلك إن كان القتلُ عمداً ، إمّا إذا كان خطأً فلا يُقتَل القاتل بل يؤخذ منه ديته ، ومعنى "كُتِبَ عليكم" أي فرضنا عليكم كما كتبنا على الّذينَ من قبلكم في كتبهم ، ثمّ بيّنَ سُبحانهُ كيفيّة القِصاص فقال (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ) أي يُقتَل الحرُّ إذا قتل رجلاً حرّاً مثله ، ويقتل العبد إذا قتل عبداً مثله ، وتقتل المرأة إذا قتلت امرأة مثلها ، ولا يقتل الحرّ إذا قتل عبداً بل يؤخذ منه ديتهُ ويضرَب ويُسجَن ، وكذلك إن قتل امرأةً ، ولكن إذا قتل عبدين أو امرأتين يقتل بهما . والعبدُ يُقتل إذا قتل رجلاً حرّاً سواءً ذكراً كان أو اُنثى ، والمرأة تقتل إن قتلت رجلاً حرّاً كان أو عبداً (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ ) أي للقاتل (مِنْ أَخِيهِ ) أي من حقّ أخيه المقتول (شَيْءٌ) من الدم ، يعني إذا عفا أخو المقتول عن القاتل ورضيَ بالدِية دون القتل فلا حرجَ من ذلك ، فإن لم يكن للمقتول أخٌ فأبوه أو ابنه أو أقرب أقربائه إن لم يكن للمقتول أب ولا إبن ولا أخ . وقوله (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) يعني فعلَى القاتل أن يتّبع قول أخي المقتول بأداء الدِيَة ويشكر معروفهُ بذلك (وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) يعني وعليه أيضاً أن يؤدّي الدِية بإحسان دون مماطلة ولا ممانعة (ذَلِكَ) الحُكم برفع القتل عن القاتل إذا وافق أخو المقتول بالدِية (تَخْفِيفٌ) لكم (مِّن رَّبِّكُمْ ) في الحكم (وَرَحْمَةٌ) بكم (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ) أي بعد أداء الدِية وقتلَ شخصاً آخر (فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي يُضرَب بالسياط حتّى يموت . أمّا حُكم من قتل سهواً فقد بيّنهُ الله تعالى في سورة النساء فقال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } وسيأتي شرحها في سورة النساء .

179 - (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) يعني في وجوب القصاص حياة ، لأنّ من همّ بالقتل فذكر القصاص ارتدع فكان ذلك سبباً للحياة (يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ) أي يا ذوي القلوب الواعية . "اللّبّة" في الصدر ما بين الثديين ، وجمعها لُبّات وألباب ، والشاهد على ذلك قول ذي الرمّة:

                         تُرِيكَ بياضَ لَبَّتِها ووَجْهاً      كقَرْنِ الشمس أَفْتَقَ ثم زَالا

فقول الشاعر " تُرِيكَ بياضَ لَبّتِها" أي تريك صدرها وما بين نهديها . وقال الآخر :

                    أتَنسَونَني يومَ الشريعةِ والقَنا      بِصِفِّينَ في لبّاتِكم تتكسّرُ

يعني تتكسّر القنا في صدوركم من كثرة الطعن فيها . ولَمّا كانت القلوب في الصدور صاروا يكنّون عنها بالألباب ، ومن ذلك قول عنترة :

                        يا عبلُ حبّكِ سالِبٌ ألبابَنا      وعقولَنا فتعطّفي لا تَهجُرِي

فقول الشاعر " سالِبٌ ألبابَنا وعقولَنا" يعني قلوبنا وعقولنا . وقال الأعشى :

                 أرَى سَفَهـاً بالمـرءِ تَعْلِيـقَ لُبّـهِ      بِغانِية ٍخـودٍ متـَى تَـْدنُ تَبْعُـدِ

فقول الشاعر " تعليـقَ لبّـهِ" يعني تعليق قلبهِ . وقد ذكر الله سبحانهُ الصدور كناية عن القلوب في آيات كثيرة من القرآن فقال تعالى في سورة آل عمران {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } يعني عليمٌ بالقلوب الّتي في الصدور ، وقال تعالى في سورة المائدة {وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، وقال تعالى في سورة يونس {قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ } أي شفاءٌ للقلوب الّتي في الصدور . وقوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أي لعلّكم تتجنّبون القتل بفعل القصاص .

------------------------------------
<<الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة الصفحة التالية>>



كتاب الكون والقرآن ..تفسير الظواهر الكونية في القرآن الكريم، ووصف دقيق لأحداث القيامة كتاب المتشابه من القرآن تفسير الآيات الغامضة في القرآن الكريم والتي ظلت غامضة منذ 1400عام كتاب حقائق التأويل في الوحي والتنزيل: التفسير الكامل للأيات القرانية بضمنها الايات المتشابهة والغامضة
كتاب الإنسان بعد الموت: وصف دقيق لحال الأنسان بعد الموت وتكوين الجنان وجهنم والملائكة والشياطين. كتاب ساعة قضيتها مع الأرواح: رحلة في عالم الأرواح مدتها ساعة زمنية كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن: يوضح من زور التوراة وفي أي عصر والأخطاء الواضحة فيها ومقارنتها بالقرآن الكريم